هناك مثل فرنسي يقول عن شخص يقع في حيرة بين أمرين أحلاهما مر كالراكب على نمر فهو يخشي النزول عن ظهره فيأكله، وإذا بقي على ظهره فالخطر لا يزول، والنمر هنا هو روسيا ، وهذا ما ينطبق على رئيس النظام السوري بشار الأسد الذي كان يسند رأسه إلى وسادة وثيرة روسية، وفراش من الريش الإيراني، وكأنه المسيطر المهيمن، ولم يتوان في آخر اجتماع حضرة في المؤتمر العربي الإسلامي بأن يشير إلى ارتكاب دولة الاحتلال بأنها ترتكب جرائم ضد الإنسانية، وتناسى أنه سبقها في هذا المضمار بأشواط في حق الشعب السوري. راكب النمر هذا كان قد استعاد بفضله السيطرة على حلب وتوابعها بعد قصف إجرامي وسفك دماء الآلاف وأقام الأفراح والليالي الملاح، لكن حسابات الحقل التي دارت في رأسه لم تتوافق مع حسابات البيدر، فبعد سنوات ثمان عجاف استيقظ مرعوبا من كابوس المعارضة التي فاجأته بهجوم واسع سيطرت فيه على مساحات واسعة كانت تحت سيطرته، ووصلت حلب وطردت قواته منها، بل وحتى حاضنته الشعبية ركبت سياراتها وسارعت بالهروب من المدينة. بينما هو اختفى فجأة كنعامة دفنت رأسها في التراب، وتشير كل الدلائل إلى أنه عاد ليبكي على كتف "النمر حاميه" في موسكو ليتوسل الحماية مرة أخرى، مع تقديم تنازلات جديدة من سيادة سورية المهلهلة. هذه المفاجأة المرعبة له كان لها أسبابها، فتوازن القوى كالماء لا تقبل الفراغ، فحيثما هناك فراغ تسارع إلى ملئه. والفراغ قد حصل في سوريا بعد سحب معظم قوات حزب الله إلى لبنان بعد معركته مع جيش الاحتلال، وبعد انشغال النمر الحامي بحربه في أوكرانيا، وبعد انكفاء القوات الإيرانية وميليشياتها من سوريا بعد الضربات المتكررة على رؤوسها من قبل دولة الاحتلال، وقد استغلت تركيا هذا الفراغ لتملأه سريعا بإعطاء الضوء الأخضر لقوات المعارضة المدعومة منها لتبدأ الهجوم المباغت لتحقق مكاسب على الأرض من ناحية، وتوجيه رسائل إلى روسيا، وإيران، والأسد، والرسالة الأولى لروسيا لتجاهلها اتفاقية سوتشي وأستانا فيما يخص منطقة خفض التصعيد في إدلب ومهاجمتها المعارضة وقضم مناطق منها، والرسالة إلى إيران التي هي أيضا لم تتوان من الاعتداء على مناطق المعارضة وهي شريكة أيضا في أستانا وسوتشي، والرسالة الموجهة إلى الأسد هي رفض تطبيع العلاقات مع اليد الممدودة من أوردغان، وهنا ضربت تركيا عدة عصافير بحجر واحد، في وسعت نفوذها على مساحات جديدة من الأراضي السورية ومدنها ما يسمح لها بعودة ملايين اللاجئين السوريين في تركيا إلى ديارهم، والضغط باتجاه وجود قسد التي تعتبر الشوكة التي تسعى منذ زمن من إزالتها من ظهرها. والسؤال اليوم كيف يمكن أن ينزل الأسد عن ظهر النمر؟