في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر من العام 1954 انطلقت الثورة الجزائرية، وانتهت بانتصار الشعب الجزائري على الاستعمار الفرنسي ونيل الاستقلال في الخامس من تموز/ يوليو 1962 قدم الشعب الجزائري تضحيات كبيرة جدا قتل خلالها أكثر من مليون جزائري، ومنذئذ يطلق عليها ثورة "المليون شهيد"، وهذا الثمن الباهظ من الدماء الجزائرية كان ثمنا للاستقلال والحرية بعد حوالي 130 سنة من الاستعمار، كما قال شاعرنا الكبير أحمد شوقي وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق. وكان الاستعمار الفرنسي قد وعد الجزائريين الذين حاربوا معه ضد النازية في الحرب العالمية الأولي بالاستقلال بعد الحرب مباشرة، ولكن تفاجأ الجزائريون بأن الجيش الفرنسي قام بمجزرة كبيرة في الثامن من أيار/ مايو 1945 مدينة سطيف راح قتل خلالها أكثر من 50 ألف جزائري في يوم واحد، في حادثة تذكر بخداع الشريف حسين الذي تحالف مع الحلفاء في حربهم ضد السلطنة العثمانية مقابل الاستقلال فإذا بالحلفاء ينكسون بالوعد ويحتلون سورية الكبرى والعراق، ويبيعون فلسطين للصهاينة، لقد واجه الثوار الجزائريون جيشا فرنسيا بلغ تعداده أكثر من 400 ألف جندي بأحدث العتاد العسكري في ذلك الوقت، لكن الإرادة الصلبة والتضحيات الكبيرة جعلت هذا الشعب الجزائري الذي ساند ثورته أن ينتصر. تماما كما يحصل اليوم في غزة حيث يواجه مقاتلو المقاومة جيشا بأحدث المعدات العسكرية ويفوق قوامه 300 ألف جندي وهم صامدون منذ أكثر من عام. لقد عرفت البلاد العربية ثورات كثير في سوريا ثورة الشعب السوري ضد الاستعمار الفرنسي بقيادة سلطان الأطرش، وثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق ضد الاستعمار البريطاني، وثورة عمر المختار في ليبيا ضد الاستعمار الإيطالي، وثورة المهدي في السودان ضد الاستعمار البريطاني، وثورة عبد الكريم الخطابي في المغرب ضد الاستعمار الفرنسي، (ولا أتحداث عن الانقلابات العسكرية التي وصفت نفسها بالثورات، فالثورة الحقيقية هي ثورات الشعوب ضد الاستعمار والاستبداد)، وجاءت ثورات الربيع العربي في كل من تونس، وليبيا، ومصر، وسوريا، واليمن لتؤكد جميعها أن الشعوب العربية هي شعوب حية تتطلع للحرية والتقدم لكن القوى الاستعمارية والأنظمة العربية الموالية لهذه القوى أو هي تحت سيطرتها تقف في وجه تحرر الشعوب العربية من ربقة حكامها المتمسكين بعروشهم، ومن قوى دولية تخشى من نهضة عربية شاملة تجعل منهم قوة لا يستهان بها قادرة على حماية بلادها من هجمات الاستعمار الجديد الذي يتربص لها بطرق مختلفة ومن أكثر من قوة إقليمية ودولية.