سنة مضت فاذا عدت إلى السابع من تشرين الأول/أكتوبر وعملية "طوفان الأقصى"، وتلك المشاهد التي رأينا فيها مقاتلو المقاومة الفلسطينية يأسرون جنود دولة الاحتلال بعد أن دمروا الحاجز المانع من الحدود، ويطيرون في أجواء شريط غرة المحتل، خلنا ساعتها أن ضرب من الخيال، فإذا بها حقيقية، فدولة الاحتلال التي أوهمت العالم بأنها القوة التي لا تقهر، وأن جهاز مخابراتها من أقوى الأجهزة العالمية، ظهرت بأن أصغر قوة حجما مقارنة بقوى المنطقة المدججة بالأسلحة وبالجيوش الجرارة تمكنت من توجيه ضربة قاسية جدا للدولة التي هزمت ثلاثة جيوش عربية بستة أيام. دولة الاحتلال التي جن جنونها ولم تصدق أن تلقت مثل هذه الصفعة التي جعلتها أضحوكة بين الدول لم يكن أمام زعيمها المتغطرس بنيامين نتنياهو سوى أن يحفظ ماء الوجه بتدمير غزة، وقتل أطفالها ونسائها وشيوخها وشبابها وشاباتها، فعداد جرائم القتل ما زال يسجل يوميا عشرات الجرائم والمجازر. سنة كاملة مع كل حالات التدمير والقتل لم يفلح بتحرير الأسرى، ولا بالقضاء على المقاومة، هذه السنة الفريدة أفرزت الكثير من الحقائق، وخلعت أقنعة كثير كانت تغطي الوجوه لتوحي بأنها عكس حقيقتها. لقد أظهرت صمت الأنظمة العربية الغريب المريب المعيب وكأن على رؤوسها الطير، فلا إدانة، ولا تهديد، ولا وعيد، ولا حتى إعانة، كما توضحت صورة الغرب المتشدق بشعارات الديمقراطية وحرية الراي وحقوق الإنسان على حقيقتها فالقنابل التي تسقط فوق رؤوس أطفال غزة جميعها وصلت من الغرب وخاصة من أمريكا التي تبرر بأن "لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها"، وكعادتها تخطيء بين الجلاد والضحية. الجلاد الذي يمتلك كل آلة القتل والتدمير والضحية التي تدافع عن نقسها بأسلحة فردية وعزيمة صلبة وحق أبدي. نتنياهو المجروح في العمق بعد أن مرغت المقاومة أنفه بالتراب صعد من عدائيته فتوجه إلى لبنان ليعيد فيه الكرة من القتل والجرائم والتدمير، بعملية هروب إلى الأمام لن يحصد منها سوى الهزائم والخيبة، بل سيوسع الحرب على إيران ويصرح بأنه يريد أن يغير الشرق الأوسط، وكأن هذا الشرق الأوسط كلعبة "ميكانو" الأطفال يمكن أن يشكلها كما يشاء. وكل هذا أمام مرأى ومسمع الأنظمة العربية الصامتة صمت أهل الكهف التي ربما استفاقت بعد سنين طويلة، عندما يكون من "ضرب ضرب ومن هرب هرب".