قلق الغرب من التطورات السريعة في الشرق الأوسط والأقصى

رئيس روسيا فلاديمير بوتين ورئيس كوريا الشمالية كيم دون أون
رئيس روسيا فلاديمير بوتين ورئيس كوريا الشمالية كيم دون أون


لا شك أن سنة 2024، سنة الانتخابات الأمريكية كانت سنة «نحس» على الرئيس الأمريكي جو بايدن، فمفاجأة «طوفان الأقصى» وقبلها الحرب في أوكرانيا كان وقعهما على إدارته ثقيلا جدا، فحرب أوكرانيا كانت كلفتها باهظة على جيوب الأمريكيين وحلفائهم، ولحد الآن لا انتصار يلوح في الأفق رغم تدفق الأسلحة الغربية والأموال بغزارة على أوكرانيا، بل أن الحرب تميل لكفة موسكو في ميزان الربح والخسارة، فسياسة النفس الطويل للرئيس الروسي فلاديمير بوتين (اقتحم الجيش الروسي أوكرانيا في شباط/ فبراير 2022) تستنزف قدرات أوكرانيا والغرب معا، بل وتشق صفوف الاتحاد الأوربي باختلاف بعض المواقف من هذه الحرب.
وجاءت عملية «طوفان الأقصى» التي دخلت شهرها التاسع لتزيد في الطين بلة، فبدورها واشنطن وحلفاؤها في تحد غير مسبوق للقضاء على المقاومة في غزة لإعلان انتصار ما، لكن هنا أيضا لا انتصار يلوح في الأفق «لأقوى جيش في الشرق الأوسط» رغم تدفق الأموال والأسلحة بغزارة من كل حدب وصوب، بل وقع الشقاق والنفاق بين الحليفين، وانعدمت الثقة بين تل أبيب وواشنطن، واختلفت الآراء في معسكر الاحتلال، وتضاربت وجهات النظر، وهذا ما صرح عنه المتحدث باسم جيش الاحتلال دانيل هاغاري بالقول الصريح، ودون مواربة: «إن الحديث عن تدمير حركة المقاومة الإسلامية حماس ذر رماد في عيون الإسرائيليين، وطالما لم تجد الحكومة بديلا لحماس فالحركة ستبقى». وقد تلقى نتنياهو، ومعه إدارة بايدن هذا التصريح بكثير من الارتباك فهو قريب جدا من الاستسلام للأمر الواقع رغم كل محاولات أمريكا دعم حليفتها المدللة لإحراز نصر ولو بسيط كما فعلت في عملية النصيرات بتحرير أربع رهائن بتكاليف باهظة جدا في الأرواح والدمار. لكن عنجهية نتنياهو وتلاعبه أغضبت بايدن خاصة بعد تصريحه المستهجن بأن الولايات المتحدة لم تزود إسرائيل بالأسلحة ومطالبتها بإرسال المزيد حتى يتمكن من هزيمة حماس والدفاع عن «وجود إسرائيل» والواقع أن جيش دولة الاحتلال «الأقل أخلاقية في العالم» كما صرح مسؤول أممي أحرز نصرا على الحجر والبشر من أطفال ونساء ونصره المؤزر على المقاومة بعيد المنال وجيش الاحتلال يغوص في وحل غزة وعيونه تتجه نحو الشمال، رغم محاولة نتنياهو إعلان الانتصار على حماس. خاصة وأن اعترافات الدول بالدولة الفلسطينية تزداد يوما بعد يوم.
تزداد مخاوف الولايات المتحدة أيضا من التطورات السريعة في الشرق الأقصى، وخاصة بعد زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لكوريا الشمالية
على الجبهة الشمالية التي تشهد تصعيدا كبيرا بعد العمليات المتوالية لحزب الله، بدأت مخاوف أمريكا تأخذ بعدا آخر من تحول المواجهات من عمليات محدودة إلى حرب شاملة، رئيس أركان جيش دولة الاحتلال هرتسي هاليفي صرح بالقول: « نحن نمتلك قدرات لا تقارن، أعتقد أن العدو يعرف فقط القليل من هذه القدرات وسيواجهها في الوقت المناسب» ليرد عليه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بعد أن بث فيديو يصور أهدافا عسكرية في حيفا من مسيرة لم يكتشفها رادار جيش الاحتلال : «يعرف العدو جيدا أننا حضّرنا أنفسنا لأسوأ الأيام.. وهو يعرف أنه لن يكون هناك مكان في الكيان بمنأى عن صواريخنا.. وعليه أن ينتظرنا برّا وجوّا وبجرا» وصرح الرئيس السابق للمكتب الإسرائيلي لمكافحة الإرهاب نيتزان نورييل»أعتقد أنه في غضون أسابيع قليلة سنشهد عملية عسكرية إسرائيلية في لبنان» وكانت إيران قد حذرت إسرائيل من توسيع رقعة الحرب وضرب لبنان، وهددت أنها لن تقف مكتوفة الأيدي، هذا الوضع المتأزم على جبهة الشمال ينذر فعليا بالتصعيد طالما أن بنيامين نتنياهو يصر على متابعة الحرب حتى القضاء على حماس، وبالتالي فإن جبهة لبنان ستبقى مفتوحة، واحتمال تدخل إيران مباشرة في هذه الحرب أو عبر وكلاء، وحسب تقرير لصحيفة «واشنطن بوست» فإن توسيع رقعة الحرب يمنح طهران خيارات جديدة لتجميع ترسانة نووية بسرعة وهذا ما لا ترغب فيه إدارة بايدن كي لا ينعكس سلبا على الحملة الانتخابية من ناحية، ويهدد أمن إسرائيل من ناحية أخرى. ومع تزايد المخاوف أرسل حاملة الطائرات دوايت إيزنهاور في البحر المتوسط تحسبا من توسع رقعة الحرب في الشرق الأوسط، والتهديدات التي تطلقها الميليشيات التابعة لإيران أنها ستكرر ضرباتها على المواقع الأمريكية أيضا.
تزداد مخاوف الولايات المتحدة أيضا من التطورات السريعة في الشرق الأقصى، وخاصة بعد زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لكوريا الشمالية واستقباله الباهر في العاصمة بيونغ يانغ، وقد عبر عن هذه المخاوف وزيرا خارجية كوريا الجنوبية، والولايات المتحدة اللذان دانا المعاهدة التي تم توقيعها بين بيونغ يانغ وموسكو التي وصفاها أنها:» تهديد خطير للسلام والاستقرار في المنطقة»،(تنص المعاهدة أن موسكو وبيونغ يانغ ستقدمان مساعدة عسكرية فورية إذا واجهت أي منهما عدواناً مسلحاً) هذا التحالف الجديد يضاف إلى التحالف الذي تم مؤخرا مع الصين في الزيارة التي قام بها بعد انتخابه مباشرة في أيار/مايو الماضي، واستكملت هاتان الزيارتان بزيارة لفيتنام التي أثارت حفيظة واشنطن التي تعتبرها حليفة لها خاصة وأن بوتين صرح من هانوي بقوله:»نحتفظ بحق إرسال أسلحة إلى مناطق أخرى في العالم، مع أخذ اتفاقاتنا مع كوريا الشمالية في الاعتبار، ولا أستبعد هذا الاحتمال». تأتي هذه التطورات قبيل انعقاد مؤتمر حلف شمال الأطلسي في مطلع شهر تموز/يوليو (يضم الحلف 32 دولة أوروبية منها الولايات المتحدة الأمريكية) والتي يناقش فيها التحديات الجديدة والمخاوف من التمدد الروسي في الشرق الأوسط (القواعد البرية والبحرية في سوريا) وإفريقيا (في ليبيا والسودان والجزائر، وعدة دول إفريقية انقلبت على فرنسا وأمريكا) والشرق الأقصى وخاصة بعد التمدد في أفغانستان وبناء علاقات مع الطالبان.
وانتقد بوتين توسع حلف شمال الأطلسي في آسيا، معتبراً أن «نظاماً من الكتل في طور التشكل وأن الحلف يتمركز في القارة على شكل إقامة دائمة، وهذا الأمر يشكل بالتأكيد تهديداً لكل دول المنطقة، وبينها روسيا، ونحن مجبرون على الرد وسنقوم بذلك» وبالطبع هناك التهديد النووي بعد أن صرح الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ، بشأن وضع القوات النووية للحلف «في حالة تأهب» الذي رد عليه بوتين بالقول إن روسيا: «تفكر في إجراء تغييرات على العقيدة النووية دون الحاجة لإضافة ضربات استباقية في العقيدة الجديدة. وأن «القوات الروسية قادرة على صد أي هجوم للخصم بضربة مضادة، وأن «روسيا تراقب عن كثب تلك النوايا، وسترد بشكل مناسب إذا حدث شيء ما». وذكر أن القنابل النووية «التكتيكية» التي تمتلكها روسيا «تعادل أربع مرات قنبلة هيروشيما» وهذا يعني أن على الغرب أن يفكر مرتين قبل أن يدخل في أي مغامرة نووية. وهذا يقودنا إلى الاستنتاج بأن العالم يجلس على برميل بارود.
كاتب سوري