لم يتعظ نظام بشار الأسد بعد سنوات عشر من ثورة الشعب السوري، ومقتل نصف مليون إنسان، وتدمير سوريا، وتهجير ثلث سكانها، واحتلال أراضيها من قبل قوى اقليمية ودولية. وتابع نهج أبيه في عبادة الشخصية إذ أعيدت "أصنامه" المدمرة بمعاول الثوار في كل المدن المنتفضة. في المفهوم اللغوي لكل كلمة دلالتها فكلمة "صنم" تلائم هذه الحالة. فالكلمة تدل على منحوته للعبادة، وكلمة تمثال تدل على منحوتة فنية، فهذه "الأصنام" المنتشرة في أرجاء المدن السورية هي جزء من سياسة عبادة الشخصية التي تجسد مظاهر "التأليه"، فمصطلح "عبادة الشخصية" فيه شيء من التأليه وقد ظهر هذا المصطلح لأول مرة في العام 1956 عندما استخدمه الزعيم السوفييتي السابق نيكيتا خروتشيف في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي ضد السياسة الستالينية في تأليه الذات. من مظاهر عبادة الشخصية نصب "الأصنام" في كل ساحات المدن، ونشر البروباغاندا بأعمال الحاكم "الخارقة"، عبر وسائل الإعلام المسخرة كليا لتمجيده، إقامة التظاهرات المختلفة المجيرة لشخصه، وضع اسمه على كل صرح من صروح الدولة، إقامة العروض العسكرية والشعبية، استخدام الملصقات، والصور الكبيرة على واجهات المباني، تسخير وسائل الإعلام وخاصة السمعية البصرية والأفلام والمسلسلات، وشراء ذمم الصحفيين والكتاب. وإضافة لقب إلى اسمه يلازمه دائما كلما ذكر، فعلى سبيل المثال ادولف هتلر كان يلقب بالفوهرر (القائد)، وبينيتو موسوليني بالدوتشيه (القائد)، وستالين بـ "أب الشعوب"، وماوتسي تونغ القبطان (الذي يدير دفة السفينة)، ونيكولاي تشاوشيسكو بعبقري الكربات (نسبة إلى جبال الكربات في رومانيا)، وكيم إيل سونغ بالرئيس الأبدي.. الأصنام العملاقة في كل مكان، صور الزعيم، الاستعراضات الكاذبة التي توحي بأن البلاد في أحسن حال، والسعادة هي السمة العامة على الوجوه.. إطلاق إسم الأسد على معظم المنشآت: مكتبة الأسد، بحيرة الأسد، جامعة الأسد، مستشفى الأسد، بل بدلت أسماء شوارع ومنشآت ثقافية كانت تحمل أسماء مثل المتنبي، وأبي الفداء، وابن رشد، والزنكي لتصبح جميعها باسمه، وحتى سوريا كاملة باتت باسم "سوريا الأسد". أما المانشيتات في الصحف الرئيسية (البعث والثورة وتشرين) يجب أن تكون مرتبطة بنشاطات الرئيس وصورة له. وفي نشرات الاخبار الإذاعية والتلفزيونية يحتل دائما الخبر الأول. أما صور الرفيق القائد فكانت، كما هي صور وريثه اليوم، في كل زاوية، وكل ركن، وكل محل تجاري، وفي الساحات العامة بالحجم الكبير. عبادة الشخصية هي البديل الضروري لكل طاغية فقد الشرعية. اليوم تعاد الأصنام منصوبة في مدن منكوبة فخلفية كل صنم أبنية مهدمة ببراميل وريثه المتفجرة، وإلى جانبها المقابر الجماعية لمجازر ارتكبتها ميلشياته الطائفية، وليس بعيدا مخيمات النازحين يموت فيها الاطفال جوعا وبردا، وينظر الصنم إلى الأفق البعيد رافعا يده ليحيي إنجازات وريثه في دمار سوريا.