(عن القدس العربي)
يشكك أكثر من نصف الأمريكيين في القدرات العقلية لرئيسهم جو بايدن البالغ من العمر 81 سنة، حسب استطلاع للرأي أجرته وكالة “اسوشيتد برس”، وأمريكي واحد فقط من أصل أربعة يرى أن أمريكا تسير في المسار الصحيح.
خلال فترة رئاسته وقف عاجزا عن حل أكبر معضلتين يمكن أن يواجههما رئيس للولايات المتحدة: الحرب في أوكرانيا، والحرب على غزة، واليوم يواجه خصما عنيدا في الانتخابات الرئاسية يتمثل في شخص دونالد ترامب الذي يركب حصان الانتقام للحزب الجمهوري للوصول مرة أخرى للبيت الأبيض، فبايدن يبدو كمن يحاول حمل بطيخات ثلاث بيد، ويده الأخرى مشغولة بلعق مخروط مثلجات. على كل هكذا ما بدا في مقابلة له على قناة” آر تي”، وبطيخاته الثلاث ستسقط الواحدة تلو الأخرى، لأنه لم ينجح باتخاذ القرار الصحيح في حملها.
وهذا الإخفاق على المستوى الدولي هو السبب الأول في تراجع حظوظه في كسب معركة الانتخابات المقبلة في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، لأنها مرتبطة ومتشابكة بعضها ببعض، وانعكاساتها الداخلية كانت كبيرة فالصوت المسلم “غير ملتزم” لدعمه في الانتخابات، وسينسحب على نسبة كبيرة من الناخبين الأمريكيين الذين يدينون سياسة البيت الأبيض بدعم إسرائيل اللامشروط، وبايدن الذي يحاول الإظهار أنه في كامل قواه العقلية رغم هفواته المتكررة بجعل عبد الفتاح السيسي رئيسا للمكسيك، والخلط بين غزة وأوكرانيا، وأنه مطمئن على وضعه الانتخابي بلعقه مخروط المثلجات (آيس كريم) بهدوء الواثق من نفسه إلا أنه يغرق في رمال حربين فشل في كسبهما.
بدخول الحرب في أوكرانيا خاصرة الغرب اللينة عامها الثالث، أثارت تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مؤتمر حول أوكرانيا في قصر الإليزيه بقوله: “ليس مستبعدا إرسال قوات برية غربية إلى أوكرانيا لتحقيق هدف أوروبا المتمثل في إنزال الهزيمة بموسكو” وأضاف “نحن مقتنعون أن هزيمة روسيا ضرورية للأمن والاستقرار في أوروبا سنفعل كل ما يلزم لضمان عدم تمكن روسيا من الفوز في هذه الحرب” ومع أن هذه التصريحات أثارت موجة استنكار كبيرة في المعسكر الغربي ككل، واستهجان وتهديد من قبل روسيا، إلا أنه عاد ليؤكد” أن الوقت قد حان للحلفاء أن يكثفوا جهودهم، مشددا على أن الوقت الراهن لا يتحمل أن نكون فيه جبناء في مواجهات روسيا التي لم يعد بالإمكان وقفها”.
هذه التصريحات جاءت نتيجة الشعور بالفشل في التصدي للتمدد الروسي في أوكرانيا، والترقب بتمدد مرتقب في مولدافيا حيث قال متحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية:”إن مولدافيا تواجه محاولات عدوانية متزايدة لزعزعة استقرارها تقودها على الأرجح روسيا مؤكداً أنّ طلب الانفصاليين الذين لا يتمتعون بحكم ذاتي الحماية من موسكو، هو سيناريو معروف داعيا إلى تحرك جماعي لمواجهة تصاعد العدوانية من جانب روسيا” وكانت ترانسدنيستريا المنطقة الانفصالية الموالية لروسيا في مولدافيا طلبت الحماية الروسية في مواجهة الضغوط المتزايدة لكيشيناو عاصمة مولدافيا، وسارعت الخارجية الروسية إلى القول إن حماية سكان ترانسدنيستريا هي أولوية وسندرس طلب تيراسبول (عاصمة ترانسدنيستريا). لكن المستشار الألماني أولاف شولتس قال بصرامة: “لن ترسل الدول الأوروبية، ولا دول حلف شمال الأطلسي قوات برية إلى أوكرانيا، ويجب ضمان عدم حدوث تصعيد لهذه الحرب بحيث لا تتحول إلى حرب بين روسيا والناتو.” ورفض توريد صواريخ تاوروس الجوالة إلى أوكرانيا خوفا من إمكانية أن تصيب هذه الصواريخ التي يبلغ مداها 500 كيلومتر العمق الروسي، وهزأ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من هذا القول بضحكة ساخرة.
حرب استنزاف
وبدأت الشكوك تتفاقم بجدوى الدعم الأمريكي والأوروبي لحرب استنزاف طويلة الأمد مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأطول المتطلع إلى إنهاك الدول الغربية على مدى سنوات، ويثير الذعر في الدول المجاورة ما دفع السويد التي كانت تتبنى سياسة عدم الانحياز العسكري خلال القرنين الماضيين إلى الانضمام للحلف الأطلسي، وقد سبقتها للانضمام فنلندا التي ساورتها المخاوف ذاتها.
وحاول الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلنسكي تذكير الحلفاء الغربيين أن انتصار أوكرانيا يتوقف على مدى الدعم الذي يقدمونه، خاصة بعدما شعر أن المساعدات الموعود بها لم يصل منها سوى 50 في المئة.
وينتظر بفارغ الصبر موافقة مجلس النواب الأمريكي على مساعدة تصل إلى 95 مليار دولار طلبها بايدن من الكونغرس، وكل المؤشرات تظهر أنه أمام معضلة دولية كبيرة لم يتمكن من الوصول إلى النتيجة المرجوة التي من شأنه أن يقدمها كنجاح في حملته الانتخابية، وطمأنة حلفائه الأوروبيين الذين بدأ بعضهم بالتفكير بالاعتماد على النفس في حماية بلادهم، خاصة وأن غريمه ترامب قد أثار سخطا كبيرا عندما طلب منهم الدفع مقابل الحماية كما فعل بدول الخليج سابقا حيث قال إنه:” سيشجّع” روسيا على مهاجمة أيّ دولة عضو في التحالف لا تفي بالتزاماتها المالية على صعيد النفقات العسكرية”.
غزة… عقدة النجار
عملية “طوفان الأقصى” كانت خارج التوقع، وأظهرت فشل الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية. وكان بايدن أول رئيس غربي يصل إلى تل أبيب ليؤكد دعمه لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المصدوم ويطمئنه بوقوفه إلى جانب إسرائيل “العين الأمريكية الساهرة في الشرق الأوسط”، وأرسل كل الإمكانيات العسكرية بجسر جوي وبحري غير منقطع للانتصار على مقاتلي حماس، مع الاعتقاد أن هذه الحرب الجديدة التي انفتحت في الشرق الأوسط سوف يتم الانتصار فيها سريعا كسابقاتها، لكن حسابات الحقل هنا لم تطابق حسابات البيدر، فبعد قرابة ستة أشهر لم تتمكن إسرائيل من القضاء على حماس، ووضعت إدارة بايدن والغرب بأكمله، وخاصة الحلفاء المقربين (بريطانيا، كندا، أستراليا، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا..) في موقف حرج ومخز أمام الرأي العام العالمي الذي انتفض ضد هذه الحرب وإزاء الفظائع التي ترتكبها دولة الاحتلال يوميا في غزة من قتل وتدمير، وتجويع. وجرائم قتل المدنيين في المشافي، ومجزرة الطحين، وسواها، بايدن الذي رفض وقف إطلاق النار مستخدما حق النقض (الفيتو) بشكل متكرر لينقذ إسرائيل، ولم يأبه بما يحصل من مجازر يومية، ولا لأصوات ملايين المحتجين حول العالم وخاصة الأمريكيين المرتفعة المطالبة بوقف إطلاق النار في غزة، وإدخال المساعدات للغزيين، بل أعلن باستهتار للصحافيين وهو يتناول مخروط المثلجات، أن مستشاره للأمن القومي سيقدم له قريبا أخبارا عن اتفاقية وقف إطلاق النار في غزة، ولكن الحرب لا تزال دائرة ورمضان على الأبواب.
ولم يجد بايدن أمام تعنت نتنياهو وعدم الانصياع لطلباته بفتح المعابر سوى إسقاط المساعدات جوا، أو بناء مرفأ عائم. حيث قال السفير الأمريكي السابق في سوريا روبرت فورد:”أن إجبار الولايات المتحدة الآن على القيام بإنزال جوي للمساعدات إلى غزة كما لو أن الولايات المتحدة ليست أفضل من مصر والأردن هو أسوأ إذلال إسرائيلي للولايات المتحدة رأيته في حياتي” لقد وقفت غزة كغصة في الحلق، وكعقدة النجار لا تأبه المنشار.
ومهما يكن من أمر هذه الحرب، فإن إسرائيل ومعها أمريكا وكل الدول الغربية الداعمة لها قد خسرت على جميع الأصعدة، يكفي أن الضمير العالمي قد استيقظ على الحقيقة الفاقعة أن إسرائيل دولة محتلة، ومستعمرة، وترتكب جرائم حرب وضد الإنسانية، يقول المحلل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، لاري جونسون؛ إن حادثة حرق الطيار الأمريكي، آرون بوشنيل، نفسه أمام السفارة الإسرائيلية في واشنطن وكذلك الأمر في الدول الأوربية”تضامنا مع غزة مؤشر على أن جيلا مختلفا من الأمريكيين بات يفهم العالم أفضل.
فهموا ورأوا بأم أعينهم أن الفلسطينيين هم ضحايا دولة إسرائيل، ومؤامرة غربية تدوم منذ ثلاثة أرباع القرن، ولا بد اليوم من نيل حقوقهم في بناء دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس، وحقهم في العودة والتعويضات من دولة حرمتهم إلى اليوم من كل شيء حتى الطعام.