النظام الأسدي وقضية فلسطين: خداع المقاوم ومهادنة المحتل

طفلان فلسطينيان يجلسان على دمار منزلهما في غزة
طفلان فلسطينيان يجلسان على دمار منزلهما في غزة


على ضوء عملية “طوفان الأقصى” والمواقف المختلفة عربيا ودوليا لابد من الإشارة اليوم لموقف النظام السوري من هذه العملية، والعودة لتاريخ الصراع مع الصهيونية لإلقاء نظرة على مواقف الأنظمة السورية المتعاقبة.
فموقف النظام السوري الذي يدعي “المقاومة والممانعة” وينتظر “الوقت والزمان” المناسبين للرد على الاعتداءات الإسرائيلية شبه الأسبوعية للمواقع العسكرية والمطارات على الأرض السورية لم يتغير منذ سنين من الاعتداءات المتكررة، ولم يطالب مرة باستعادة الجولان المحتل، وحتى عندما لوح رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو بخريطة إسرائيل في الشرق الأوسط الجديد على منبر الأمم المتحدة وتضم الأراضي الفلسطينية والجولان لم يصدر عن النظام السوري أي تعليق، حتى في القمة العربية الإسلامية التي عقدت في الرياض مؤخرا لم يتجرأ على ذكره، ولم يطالب بتحريره، ولم يطالب دولة الاحتلال بوقف الاعتداءات على غزة.
القمة العربية الإسلامية
وكلمته التي ألقاها في المؤتمر لم تتضمن سوى هذه الجملة “العناوين كثيرة لا تتسع لها كلمات ولا تكفيها قمم. لا تبدأ من جرائم الكيان الصهيوني المنبوذ عربيا بحق الشعب الفلسطيني المقاوم، ولا تنتهي عند خطر الفكر العثماني التوسعي المطعم بنكهة إخوانية منحرفة”
وفي الواقع أن الكيان الصهيوني ليس منبوذا عربيا كما قال فهناك ست دول عربية طبعت مع هذا الكيان (مصر، المغرب، الأردن، السودان، الإمارات، البحرين)
وإذا نظرنا إلى جرائم النظام بحق الفلسطينيين في سوريا فإننا نكتشف أرقاما تدين هذا النظام بجرائم ضد الإنسانية فبحسب إحصائيات مركز توثيق المعتقلين والمفقودين الفلسطينيين في سوريا فإن سجون النظام تضم 12494 معتقلا فلسطينيا مصيرهم مجهول، وهناك 541 فلسطينيا قتلوا تحت التعذيب، كما تم محاصرة الفلسطينيين في مخيم اليرموك البالغ عددهم أكثر من 160 ألف نسمة ومنع عنهم الطعام والشراب والاتصالات خلال الثورة السورية قبل أن يتم ترحيل معظمهم خارج المخيم.
كما تفعل إسرائيل في غزة (كانت حركة حماس قد قطعت علاقاتها مع النظام السوري بعد انطلاقة الثورة السورية، لكنها عادت لتطبيع علاقاتها معه مؤخرا). لكن النظام لم يقف معها في معركتها في غزة فعلى المستوى العسكري بقيت جبهة الجولان صامتة، ومنعت المظاهرات المؤيدة لحماس، وخلال فترة عدوان دولة الاحتلال على غزة لم يتوقف عن الاعتداء على سوريا دون رد النظام على هذه الاعتداءات، وربما كانت فرصة له بالرد “فالزمان والمكان” كانا مناسبين جدا لإظهار دعمه للمقاومة الفلسطينية على أقل تقدير.
الحرب الأهلية اللبنانية
هذه المواقف المعادية للفلسطينيين، ومهادنة دولة الاحتلال ورثها بشار الابن عن أبيه حافظ فهذا الأخير الذي كان يطمح للسيطرة على لبنان مع بدء الحرب الأهلية اللبنانية في العام 1975 كان لا بد وأن يصطدم مع منظمة التحرير الفلسطينية المتحالفة مع الحركة الوطنية اللبنانية برئاسة كمال جنبلاط التي سيطرت على معظم لبنان بانتصارها على حزب الكتائب وحلفائه.
فبعد أن أخذ موافقة فرنسا والجامعة العربية تحت مسمى “قوات الردع” غزا لبنان وبدأ بمجزرة مريعة بحق الشعب الفلسطيني في مخيم تل الزعتر في 12آب/ أغسطس 1976 (المخيم الذي استقبل اللاجئين الفلسطينيين بعد النكبة في العام 1949) راح ضحيتها أكثر من 1500 فلسطيني مدني، وبدأ مرحلة صراع مع منظمة التحرير والحركة الوطنية اللبنانية حاول خلالها القضاء عليهما من خلال شق صف المنظمة والاغتيالات السياسية.
وأصبح موقف النظام السوري مماثلا لموقف إسرائيل التي كانت تدعم حزب الكتائب وحلفاءه من القوات اللبنانية، وتخطط للقضاء على منظمة التحرير وطردها من لبنان وقد قامت باحتلال الجنوب حيث كانت القوات الفلسطينية تتمركز فيه ثم أكملت القوات الإسرائيلية مسيرها بقيادة وزير الدفاع أرييل شارون إلى بيروت واحتلتها.
في العام 1983 عمل نظام الأسد على ضرب منظمة التحرير في طرابلس ودفعها (كما كانت ترغب إسرائيل للتخلص منها في لبنان) للرحيل عن لبنان. واستمرت المعارك مع الفلسطينيين الموالين لمنظمة التحرير في مخيمات اللجوء الفلسطيني.
حكومة خالد العظم
تاريخ انقلاب وزير الدفاع حافظ الأسد على رفيق دربه صلاح جديد والاستيلاء على السلطة في العام 1970 كان نقطة تحول في موقف النظام السوري من قضية فلسطين، فجميع الحكومات السورية التي تعاقبت منذ الاستقلال كانت تضع القضية الفلسطينية ضمن أولوياتها، فحكومة خالد العظم في عهد رئاسة شكري القوتلي هي التي اتخذت قرار الحرب إلى جانب عدة دول عربية أخرى ضد قرار قيام دولة إسرائيل في العام 1948 وانتهت ما سمي بالنكبة.
وهي التي تبنت قرارا يسمح بدخول حوالي 300 ألف فلسطيني إلى سوريا ومنحهم جميع الحقوق كأي مواطن سوري ما عدا الجنسية السورية.
واتخذ حسني الزعيم هذه الهزيمة العسكرية كذريعة للقيام بأول انقلاب في سوريا ضد الحكم المدني المنتخب ديمقراطيا واستلام السلطة فيها. لكن ضابط المخابرات الأمريكية السابق مايلز كوبلاد في كتابه لعبة الأمم أكد أن كل الانقلابات في سوريا كانت بتخطيط أمريكي والسبب في ذلك هو القضاء على التجربة الديمقراطية الفتية في سوريا كي تبقى إسرائيل الدولة الوحيدة “الديمقراطية”، وتأسيس ديكتاتوريات عسكرية في الشرق الأوسط.
عز الدين القسام
أما على المستوى الشعبي فجميع مكونات الشعب السوري تدعم القضية الفلسطينية وقد قتل الآلاف منهم في المعارك والحروب مع دولة الاحتلال، حتى قبل النكبة عندما فجر السوري الشيخ عز الدين القسام الثورة على عصابات الصهاينة في العام 1936 واستشهد على أرض فلسطين، وأعطت حماس اسمه على كتائبها “كتائب عز الدين القسام”.
اليوم كشفت عملية “طوفان الأقصى” مدى زيف النظام الأسدي “الممانع” في كذبه وخداعه كنظام مقاوم، ومدى الاستغراب في مواقف الأنظمة العربية التي لم تتعد إصدار بيانات شجب واستنكار رغم فداحة المصاب في غزة، وإجرام دولة الاحتلال ومن يدعمها من أمريكا وبعض الدول الغربية بحق الشعب الفلسطيني.
واستغربت أكثر من دولة داعمة للشعب الفلسطيني من الموقف العربي المخزي مع أن العرب يمتلكون كل الوسائل للضغط على أمريكا والدول الداعمة لدولة الاحتلال، للمطالبة الفعلية لبناء دولة فلسطين.
كاتب سوري