طل وباء كوفيد-19 علينا من عالم غيب. تسلل إلى حشايانا وقطع أنفاسنا، ضرب مفاصل اقتصادنا، وجمد حركتنا، واستنفرت دول العالم لمواجهة هذا الخطر الداهم بلقاحات تعددت أسماؤها وتشابهت في مضاداتها. هذه اللقاحات تعطي مناعة للأشخاص، لكن الوباء باق. لم تتضافر جهود العالم يوما ضد خطر عالمي ، كما تضافرت جهوده في مواجهة الجائحة.
لكن هناك وباء لا ينتمي إلى فصيلة الفيروسات، هو أشد خطرا على البلاد والعباد أكثر من فيروس كورونا، والإيدز، والكوليرا، والطاعون: الديكتاتورية.
فالديكتاتورية التي تتمثل بحكم الفرد المطلق تشمل كل الأنظمة السياسية الأحادية من أنظمة عسكرية، وملكيات مطلقة، ومَن يعود لصفحات التاريخ لن يعثر على ديكتاتورية واحدة لم تفتك بشعبها والبلد الذي تحكمه.
فنيرون أحرق روما وغنى طربا على الحريق، وهتلر دمر ألمانيا وتسبب في مقتل أكثر من خمسين مليون انسان، وستالين قتل من الروس أكثر مما قتل نابليون وهتلر، وبول بوت قتل عدة ملايين ودمر كامبوديا، وعشرات الديكتاتوريين من أمثال هؤلاء: باتيستا كوبا، سوموزا نيكاراغوا، بينوشيه التشيلي، موغابي زيمبابوي، عيدي أمين أوغندا، بوكاسا أفريقيا الوسطى، ماركوس الفيليبين..، لكن أحدا من كل هؤلاء بلغ في ديكتاتوريته ضد شعبه مبلغ بشار الأسد وأبيه في سورية والسوريين. يتشابه نظام عائلة الأسد الجملكي بنظام كوريا الشمالية وآل كيم لكن عائلة كيم جعلت من كوريا دولة نووية يخشى جانبها، وتفرض وجودها، مع أن ناتجها القومي يعادل ثلث الناتج القومي لسورية، ومساحتها أقل من مساحة سورية بخمسين الف كم مربع. وعدد سكانها أكثر بثلاثة ملايين نسمة من عدد سكان سورية. فأين ذهبت الأموال السورية خلال نصف قرن من حكم الأسدين؟ وماذا تم من إنجازات في البنية التحتية، والتصنيع، والتعليم، والصحة، والزراعة، والتأمين الاجتماعي.. لقد تجاوز دخل الفرد في كوريا آل "كيم " الألف دولار شهريا، ودخل الفرد اليوم في سورية يعادل 15 دولارا، أي أكثر من ستين ضعفا تقريبا. لقد اعتمدنا هذه المقارنة ليس حمدا بنظام ديكتاتوري آخر، لكن لأنه الأقرب في نظامه السياسي من بين كل الأنظمة السياسية في العالم. فخلال سبعين عاما بنى آل "كيم "دولة مستقلة، وذات سيادة، من خراب حرب الكوريتين في بداية خمسينيات القرن الماضي، التي واجهت فيها الولايات المتحدة.
وخلال خمسين عاما خرب آل الأسد دولة كانت عامرة ومستقلة، ونادوا شذاذ الأرض لاحتلالها، فكيف التخلص من الوباء الأسدي القاتل، الذي فتك بمليون سوري، ودفع نصف الشعب السوري للهروب من أرضه من خطر هذا الوباء، كما كان الناس سابقا يهربون من الطاعون.
لقد واجه العالم وباء كورونا بلقاح فايزر، وسبوتنيك، واسترازينيكا، فماهو اللقاح ضد الديكتاتوريات العاتية القاتلة؟
في نظرة سريعة على دول العالم اليوم نجد أن الدول التي اعتمدت النظام الديمقراطي الليبرالي هي التي يتم فيها تناوب السلطة بشكل سلمي، والرئيس فيها مسؤول أمام البرلمان والقضاء، والأمثلة على مثول الرؤساء أمام القضاء كثيرة ، آخرها الحكم على نيكولا ساركوزي رئيس فرنسا السابق بالسجن.
فالديمقراطية هي خير علاج للخلاص من الديكتاتوريات، وبالنسبة لبشار الأسد الذي أعلن قصر المهاجرين إصابته بالكورونا فأفضل لقاح يعطى له هو اللقاح المزدوج: الديمقرازينيكا