هل هي فرصة العرب الأخيرة لتحقيق السلام في زمن الخطر؟

رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو
رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو

()عن القدس العربي)
توقفت كثيرا عند خطاب رئيس وزراء دولة الاحتلال المتطرف بنيامين نتنياهو على منبر الأمم المتحدة، ففي الوقت الذي كان يبشر فيه بقرب اتفاقية تطبيع وصلح بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، التي ستغير خريطة الشرق الأوسط بأكمله حسب وصفه (وهذا ما صرح عنه أيضا ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مقابلة مع قناة فوكس نيوز في الوقت نفسه أن بلاده تقترب أكثر من تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهناك دعم من إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للوصول إلى تلك النقطة، وبالنسبة لنا فإن القضية الفلسطينية مهمة للغاية).
الأراضي الفلسطينية
وقد حمل نتنياهو بيده خريطة لإسرائيل لا وجود فيها لدولة فلسطينية، بل إسرائيل تحتل كل الأراضي الفلسطينية. (وكان وزير المالية بتسلئيل سيموتريش المتطرف قد وضع خريطة أخرى على منبره تظهر فيها حدود إسرائيل من الفرات إلى النيل) وقد أثارت هذه التصريحات الكثير من التساؤل على المستوى الفلسطيني الذي سارع المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة بالقول: ” لن يكون هناك سلام أو استقرار في المنطقة دون رضا الشعب الفلسطيني وتحقيق مطالبه، وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية”. وكذلك على المستوى الأردني حيث صرح العاهل الأردني الملك عبد الله:” خلال مؤتمر قمة الشرق الأوسط العالمية في نيويورك في 21 أيلول/سبتمبر الماضي “اتفاقا كهذا قد يقود إلى أفق جديد.
وأضاف أن هناك “متطلبات للسعودية ولإسرائيل وللولايات المتحدة، إلا أنه يتوجب الأخذ بعين الاعتبار ما سيجنيه الفلسطينيون وما ستجنيه المنطقة من هذا الأمر”، مبينا أن “الجميع معني بهذه القضية” وأن “جزءا من التحدي يكمن في الحكومة الإسرائيلية والاعتقاد أنه يمكنها تجاوز فلسطين والتعامل مع العرب”، مشيرا إلى “عدم إمكانية هذا الأمر، ولن يتم الوصول إلى سلام حقيقي دون حل للقضية الفلسطينية”. وقد عدت إلى كتابه:”فرصتنا الأخيرة، السعي إلى السلام في زمن الخطر ” الصادر في آذار/ مارس 2011 أي بعد انطلاقة الربيع العربي مباشرة الذي يستعرض فيه القضية الفلسطينية منذ بداية فكرة التطبيع مع إسرائيل ومجريات الأحداث على صعيد عملية السلام والتوقف عند خطاب أوباما في القاهرة في العام 2009 وكيف تغيرت السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط بعد أن بعث آمالا كبيرة في حل القضية الفلسطينية، وكيف استمرت إسرائيل في بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية.
وعود عرقوب
وعرقوب هو ذاك اليهودي الذي كان في يثرب ويعد أخاه أن يعطيه ثمار نخلة كان يزرعها وفي كل مرة يأتيه ليأخذ حصته من تمرها بعد أن أينعت يتذرع عرقوب بحجج واهية إلى أن أتى على جميع التمر ولم يعط لأخيه تمرة واحدة.
وهذا ما ينطبق على وعود قطعت للعرب منذ اتفاقية أوسلو التي مر عليها اليوم ثلاثة عقود عجاف من غزة أريحا أولا إلى لا شيء ثانيا. وفي عودة للذكرى أن العرب الذين حققوا انتصارا في حربهم ضد عدوهم الأول إسرائيل في حرب أكتوبر في العام 1973 التي مر عليها اليوم نصف قرن بالتمام والكمال، والذي مازالت دولة الاحتلال تجتر مرارتها إلى اليوم استثمروا هذا الانتصار للاعتراف بها، حتى أن رئيس أكبر دولة عربية أنور السادات والتي حققت الانتصار وتحتفل به سنويا، فاجأ العالم بخطاب ألقاه في الكنيست الإسرائيلي في عيد الأضحى في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1977 أي بعد عقدين فقط من النكبة الكبرى، وعقد واحد من مؤتمر قمة الخرطوم واللاءات الثلاث: (لا للاعتراف، لا للصلح، لا للتفاوض) قال فيه:” جئت إليكم على قدمين ثابتين لنقيم السلام.. لم أتناول هذا القرار مع الرؤساء العرب.. إن قضية شعب فلسطين وحقوقه المشروعة.. إن كنتم وجدتم المبرر القانوني والأخلاقي لإقامة وطن قومي على أرض لم تكن كلها لكم أن تتفهموا إصرار شعب فلسطين على إقامة دولته من جديد في وطنه” لكنه دفع حياته ثمنا لهذا الاعتراف. ودخلت مصر في عزلة تامة بعد فقدان مقعدها في الجامعة العربية، ولم تتأخر إسرائيل الذي طلب منها السادات تفهم إصرار الفلسطينيين على إقامة دولتهم من إعلان الحرب عليهم في 6 حزيران/ يونيو 1982 أي بعد خمس عشر سنة يوما بيوم من حرب الخامس من حزيران/ يونيو 1965. وتم طرد مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان ليستقروا في تونس مقر الجامعة العربية الجديد. في العام 1991، وبعد عام تقريبا من عودة الجامعة العربية لمصر بات الباب مفتوحا أمام العرب للجلوس مع الإسرائيليين في مؤتمر مدريد تحت رعاية أمريكية سوفيتية، لكن النتائج كانت فاشلة جدا ولم يجن العرب سوى قبضة من ريح.
مبادرة الملك عبد الله
رغم فشل كل محاولات إحلال السلام وبناء الدولة الفلسطينية بسبب تعنت إسرائيل والاستمرار بمخططاتها لمحو فكرة الدولة الفلسطينية تقدم العرب جميعا (الذين رفضوا بالأمس مبادرة السادات) هذه المرة بمبادرة تقدم بها العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله في مؤتمر قمة بيروت 2002 تحت عنوان الأرض مقابل السلام مع اعتراف كامل من الدول العربية والتطبيع معها. وهذا ما لم تكن تحلم به، وما كان يخطر ببال أي عربي. ورغم ذلك رفضت دولة الاحتلال خطة العرب جملة وتفصيلا. وبمعنى آخر يفهم ضمنيا أن اتفاقية أسلو لم تكن سوى حبر على ورق. (ويحضرني سؤال وجهته للرئيس محمود عباس مهندس اتفاقية أوسلو في العام 2000 إذا كان مقتنعا بأنه سيشهد الإعلان عن الدولة الفلسطينية فقال إن لم تكن هذا العام ففي العام المقبل). مضى عقدان على مبادرة الملك عبد الله تم خلالهما الاعتراف بإسرائيل (دون مقابل) من قبل (الأردن، وموريتانيا التي تراجعت فيما بعد، الأمارات، البحرين، المغرب، السودان).
اليوم صرح ولي عهد المملكة العربية السعودية، وكذلك نتنياهو بأن التطبيع بات قريبا بين البلدين، وقام وزير السياحة الإسرائيلي بزيارة المملكة، وحضر وزير الاتصالات الإسرائيلي مؤتمر البريد في الرياض. وتم تعيين سفير للمملكة في الأراضي الفلسطينية، وأكد بن سلمان أن المملكة لن تتخلى عن شرط الدولة الفلسطينية. لكن بالوقت نفسه هي تبحث أيضا عن مصالحها، والولايات المتحدة وإدارة بايدن تبحث أيضا عن مصالحها قبل انتخابات 2024.
وإسرائيل تبحث عن الوصول إلى قلب العالم الإسلامي لأنه يفتح لها بابا كبيرا على المستوى الاقتصادي والسياسي، ورافدا جديدا في مواجهة إيران، ودبلوماسيا بتشجيع دول إسلامية كثير للتطبيع معها. لكن هل ستتراجع إسرائيل عن مواقفها الرافضة للدولة الفلسطينية رغم كل مبادرات العرب عبر تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي؟
وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو صرح لصحيفة “جيروزاليم بوست” قائلا:” إن التطبيع بين السعودية وإسرائيل أمر مستحيل إذا تضمن اتفاق إنشاء دولة فلسطينية متهما السلطة الفلسطينية “بتمويل الإرهاب” وتلقى أموالا من إيران لقتل الإسرائيليين” وأضاف:” من الصعب للغاية أن نتخيل كيف يمكن للمرء أن يتوصل إلى اتفاق مع القادة نفسهم الذين رفضوا كل عرض معقول قدم لهم.. وأن التطبيع السعودي- الإسرائيلي “سيكون أكثر سهولة مع رئيس جمهوري ” الرئيس الفلسطيني محمود عباس من جانبه قال: “إن أي صفقة يجب أن تعترف بالحق الفلسطيني في إقامة دولة على حدود 1967 بما يشمل القدس الشرقية وضرورة وقف بناء المستوطنات”. فهل هذه يا ترى الفرصة الأخيرة بتحقيق السلام، أم أننا سندخل في زمن الخطر، بعد أن يستولي عرقوب على كل تمر النخلة؟
كاتب سوري