(عن القدس العربي)
أخطأ من ابتسم، من زعماء الثورات المضادة، أو رفع شارة النصر على الربيع العربي، وخاصة الربيع السوري، فثورات الشعوب كالهزات الأرضية، والبراكين لا يمكن استشعارها، أو توقيت ثورانها، وهزاتها الارتدادية.
فالشعوب المحاطة بأسوار القمع والتسلط كالماء في السد دائما يبحث عن ثغرة، وعندما ينهار السد ستجرف المياه أمامها الأخضر قبل اليابس. فبعد أن اطمأن النظام الأسدي بأنه سيطر على جزء من سوريا بدعم الميليشيات الطائفية المستوردة من إيران وباكستان وأفغانستان ولبنان وجيش الاحتلال الروسي، جاءته المفاجأة من حيث لا يتوقع: من جبل العرب الذي انتفض فيه الموحدون في ساحة الكرامة.
مطالب الثورة السورية
ستدخل هذه الانتفاضة شهرها الثاني وتطالب بالفم الملآن والإصرار على إسقاط نظام الأسد وتطبيق القرار الأممي 2254. وهذه هي مطالب الثورة السورية منذ البداية للتخلص من نظام أجرم بحق العباد والبلاد، وهذا ما يضع بشار الأسد أمام تحد كبير: كيف يمكن قمع انتفاضة من “أقلية” كان يقدم نفسه أنه حاميها، ولكن كعادته لا يملك في سلوكياته سوى لغة الرصاص الذي كما أطلقه في السابق في درعا مع بداية الثورة على صدور الناس، أطلقه اليوم على شباب السويداء وخرج شيخ العقل حمود الحناوي يحذر: “لا تجبرونا على أكل الميت ومن يطلق على أبنائنا رصاصا سيدفع الثمن، والذي لا يحترم تاريخنا لن نحترمه”.
وقال شيخ العقل حكمت الهجري بصريح العبارة: “الميليشيات الإيرانية التخريبية وبينها حزب الله هي ميليشيات تحتل أرضنا والجهاد ضدها واجب، لن نقبل وجود الميليشيات الإيرانية على الأرض السورية، والنظام الإيراني الفاسد أرسل الميليشيات لكي تغير عقول الناس وتسرق البلد هذه رسالة موجهة مباشرة إلى بشار الأسد الذي جلب هذه الميليشيات المرتزقة كي تحمي نظامه.
وصدر بالتنسيق معه عن “الهيئة السياسية للعمل الوطني” بيانها الأول من قلب ميدان الاحتجاج طالبت فيه بالتغير السياسي “ضرورة لكل السوريين وتحقيق الانتقال السياسي لمرجعية القرار الأممي 2254 الصادر عام 2015” كما دعا إلى تفعيل القرار 2118 الصادر عام 2013 الذي يحول مرتكبي جرائم الحرب بحق الشعب السوري إلى محكمة الجنايات الدولية، والتمسك “بوحدة الأرض السورية وهويتها الوطنية، رافضين المشاريع الخارجية الانفصالية والخطابات الطائفية التحريضية، والإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين والكشف عن مصير المغيبين قسريا والكف عن ملاحقة المتظاهرين السلميين في ساحة الكرامة من قبل الأجهزة الأمنية ومحكمة الإرهاب وإلغاء قراراتها غير الشرعية وإصدار عفو عام مطلب شعبي لا مساومة عليه”.
واعتبر البيان أن “الخدمات الاقتصادية من كهرباء ومحروقات ومياه، أساسيات الحياة، ليست منة وغير قابلة للتفاوض أو المساومة” محملا “سلطة النظام وحزب البعث والأجهزة الأمنية مسؤولية إراقة الدم السوري منذ عام 2011 لغاية هذه اللحظة ونوجه رسالتنا إلى الجامعة العربية والأمم المتحدة والمنظمات الأممية والحقوقية والإنسانية والمحافل الدولية ذات الصلة، والتي يجب عليها الأخذ بدورها في تحقيق مطالب الشعب السوري”. وانتهى البيان بالقول: لقد عرت انتفاضة السويداء الأخيرة زيف ادعاء النظام بحماية الأقليات، واتضحت جرائمه بالأدلة القاطعة وعدم نيته بتقديم أي تنازل لمصلحة السوريين ومطالبهم المحقة. هذه الهزة الارتدادية القوية للثورة السورية التي جاءت بعد عقد ونيف من الهزة العنيفة الأولى تضع نظام الأسد أمام معضلة حقيقية، بل تعتبر ضربة “تقويضية” لادعاءاته الكاذبة.
ورقة نعوة الائتلاف السوري
في ظل هذه الأحداث التي تشهدها مناطق السويداء، والتي تعتبر هزة ارتدادية لزلزال الثورة السورية، لم تكن المعارضة السورية في جميع أطيافها على مستوى الحدث، وعلى رأسها الائتلاف السوري، فقد عرت هذه الانتفاضة المعارضة السورية بمجملها السياسية منها والمسلحة إذ اكتفى الائتلاف بإصدار بيان هزيل (كرفع عتب) لم يكن له أي تأثير يتضمن إدانة ” التصعيد الخطير من قبل نظام الأسد الذي قام باستهداف المتظاهرين السلميين في مدينة السويداء بالرصاص الحي” وعبر عن دعمه للحراك السلمي وطالب مجلس الأمن بإيجاد آليات تلزم نظام الأسد بعدم استخدام العنف” .
هذا البيان الذي لا يرقى إلى أهمية وخطورة الحدث، ولم يتضمن أي دعوة للشعب السوري لمناصرة أهله في السويداء بمظاهرات سلمية في أنحاء المناطق المحررة على أقل تقدير يظهر إلى أي مدى وصلت إليه مؤسسات المعارضة السورية.
والواقع أن هذا يعود لفقدان الشعب السوري لمصداقية هذا الائتلاف، وتمثيله للثورة السورية والشعب السوري، وكان رئيس الائتلاف قد تعرض لمواجهة عنيفة من بعض الأفراد عند زيارته للمناطق المحررة في بداية هذا العام، وشهد الائتلاف صراعا داخليا تم خلاله طرد عدة أعضاء بارزين فيه في وقت سابق، ثم جاءت الخلافات بشأن انتخابات الرئيس الجديد الذي حل محل سالم المسلط، وانتقادات حادة من قبل أعضاء حاليين وسابقين (تشكل الائتلاف السوري لقوى المعارضة في تشرين الثاني/ نوفمبر ليحل محل المجلس الوطني الذي ترأسه المفكر والأكاديمي المعروف برهان غليون ثم تناوب عليه عدة شخصيات أخرى من المعارضة).
وقد نشر أول رئيس للائتلاف الشيخ معاذ الخطيب ورقة “نعوة” للائتلاف قال فيها: “أنعي إلى جميع السوريين وفاة الائتلاف الذي كان معارضا” وأشار: “إلى تهديد لإجبار أعضائه على التصويت لقيادة مفروضة عليه.. مضيفا: “حزب البعث الستاليني لم يستطع إركاع السوريين، ولن تستطيع عقلية “فتافيته” الوصاية عليه بالإجبار اليوم”.
وقال الرئيس السابق للائتلاف نصر الحريري أيضا إن :”رئيس الحكومة السورية المؤقتة (التابعة للائتلاف) عبد الرحمن مصطفى قال إنه سيتم انتخاب هادي البحرة رئيسا جديدا للائتلاف بالإجبار”، (وهذا ما حصل فقد اختارت الهيئة العامة هادي البحرة رئيساً جديداً للائتلاف، خلفاً لسالم المسلط، كما اختارت هيثم رحمة أميناً عاماً له، وعبد المجيد بركات نائباً له، خلفاً لربا حبوش، خلال عملية انتخابية جرت في مقر الائتلاف ضمن مدينة إسطنبول)، واتهم الحريري الائتلاف بـ: ” بتوفير الفرصة للتدخلات الخارجية لتوجيهه والإملاء عليه” وظهرت حالات عدة في مناصب الائتلاف أن هناك تبادلا بالأدوار بين أشخاص محددين لاحتلال مناصب رئيسية على رأس الائتلاف، واللجان المتفرعة عنه.
وهذا ما أكده رئيس المجلس الوطني السوري السابق عبد الباسط سيدا: ” يبدو أن أصحاب لعبة تبديل الطرابيش في الائتلاف قد سدوا آذانهم كي لا يسمعوا آراء وانتقادات السوريين المناهضين لفساد وإفساد واستبداد سلطة آل الأسد، ولم تعد مآسي السوريين، خاصة الأهل في المخيمات تهمهم لذلك نقترح عليهم أن يُمعن كل واحد منهم النظر في نفسه أمام المرآة، ويحكّم ضميره”.
واقتراح الدكتور سيدا لا يمكن عمليا تحقيقه إذ أن أول وآخر من نظر إلى نفسه في المرآة من العرب ورأى حقيقة وجهه واعترف بقبحه هو شاعرنا الكبير الحطيئة عندما نظر بالمرآة وقال:”أرى لي وجها شوه الله خلقة فقبح من وجه وقبح حامله”.
كاتب سوري