نقاط على حروف عودة اللاجئين السوريين من لبنان

لاحئون سوريون في لبنن
لاحئون سوريون في لبنن

(عن القدس العربي)

لم يتوقف المسؤولون اللبنانيون عن التصريحات عن خطة ترحيل اللاجئين السوريين من لبنان وإعادتهم إلى سوريا، بدءا من رئيس الجمهورية السابق ميشيل عون إلى المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم، باعتبار أن “إعادة اللاجئين السوريين إلى أرضهم “واجب وطني علينا أن نؤديه”.

والأسباب التي يتقدمون بها هي الأعباء الاقتصادية التي لم يعد بمقدور لبنان تحملها مع أن كل الحقائق تقول خلاف ذلك، فالمشكلة الحقيقية التي تقف وراء إصرار ترحيل السوريين تعود لأسباب أخرى، فالأزمة المالية والاقتصادية في لبنان لا يمكن أن تلقى على ظهر السوريين لأن لها جذورا بعيدة حتى قبل اللجوء السوري.

ومؤتمر باريس 3 الذي بحث في الإصلاحات الاقتصادية الضرورية في لبنان دليل على أن معاناة لبنان الاقتصادية أعمق من مشكلة لاجئين وتعود أسبابها إلى اللبنانيين أنفسهم وعدم تطبيق الإصلاحات المطلوبة خلال العقدين الماضيين.

أين المساعدات؟

تعود سردية تحميل اللاجئين السوريين المسؤولية عنها إلى الواجهة، تتبناها قوى سياسية وجزء من المعلقين والمواطنين، رغم أن تقارير أممية تقول إن أغلبية اللاجئين باتوا عاجزين عن توفير الحد الأدنى من الإنفاق اللازم لضمان البقاء على قيد الحياة.

حسب تقارير الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (أوتشا)، أن لبنان يحصل على 5,8 في المئة من مجموع التمويل الإنساني بما يعادل وسطيا 1,5 مليار دولار سنويا، ويحتل المرتبة الأولى عالميا من حيث حصة الفرد، إذ احتسب مرصد الأزمة للجامعة الأمريكية بأن نصيب الفرد يصل إلى 700 دولار سنويا موزعة على مليون لبناني، ومليون سوري، و270 ألف فلسطيني. ونشير إلى أن المصارف اللبنانية تمارس ما يسمى بـ “هرطقة الدولار الإنساني” حسب “مرصد الأزمة” أي أنها تحاسب سعر دولار المساعدات بسعر رسمي وهو أقل بكثير من السعر الحقيقي في السوق وبهذه الحيلة تقتطع المصارف حوالي ثلث قيمة المساعدات. يضاف إلى ذلك أن مصادر إعلامية ذكرت أن هناك ودائع في المصارف اللبنانية تصل إلى حوالي 20 مليار دولار، ومعظم هذه المبالغ وصلت لبنان في حقائب مهربة.

وكشف المنتدى السوري الاقتصادي أن معظم هذه الأموال جاءت إلى لبنان بعد اندلاع الأزمة في 2011 بطرق غير مشروعة. ويشار إلى أن الحكومة اللبنانية أصدرت قانونا يمنع السوريين من الاستثمار المباشر ويجبر أي مستثمر بالعمل مع شركات لبنانية. وتضيق على العمال السوريين، وعلى محال السوريين التجارية مع أنه حسب تقرير يرصد دور العمالة السورية في الاقتصاد اللبناني يقول إن السوريين يعتبرون أحد محركي العجلة الاقتصادية في لبنان، فأين المساعدات؟ إنهم يساهمون بقيمة 1.25 مليار دولار سنويا في الاقتصاد اللبناني، ويدفعون نحو 30 مليون دولار شهريا بدل سكن و20 مليون بدل غذاء، فيما استحدثوا 12 ألف وظيفة جديدة بين اللبنانيين خلال عام.

في تشرين الأول/أكتوبر أعلن حزب الله تورطه في مقتلة السوريين والتدخل في شؤون سوريا الداخلية بعد مقتل أحد قيادي الحزب الملقب بـ “أبو عباس” أثناء “تأدية واجبه الجهادي” في سوريا. وصرح حسن نصر الله بعد معركة القصير في 2013 أن: “سوريا هي ظهر المقاومة ولا تستطيع أن تقف مكتوفة الأيدي وتسمح للتكفيريين بكسر عمودها الفقري”. وتركزت ميليشيا الحزب بشكل أساسي في القصير والزبداني وحوض بردى كمناطق استراتيجية كممر حيوي للإمدادات الإيرانية من الأسلحة والذخائر للحزب. منذئذ لم تتوقف مجازر “جهاديي” حزب الله بالشعب السوري وتم توثيق هذه المجازر في القصير والنبك والزبداني وبقين ومضايا وبلودان وبيت سحم وببيلا، وقد صدر عن لجنة التحقيق الدولية في أحداث القصير اتهام الحزب بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية في سوريا واستخدام أسلحة تدمير هائلة دمرت مئات الأبنية. وتشير التقارير إلى أن حزب الله قام في العام 2013 بمجزرة دير بعلبة في ريف حمص وتمت إعدامات ميدانية، واغتصاب للنساء، والتنكيل بالجثث وإحراقها، وراح ضحية هذه المجزرة 200 مدني منهم 21 طفلا و20 امرأة، ومجزرة النبك في ريف دمشق في كانون الأول، ديسمبر من العام 2013 راح ضحيتها 400 مدني بينهم 100 طفل و95 امرأة، وهذا على سبيل المثال لا الحصر بين عشرات المجازر. فالواجب الجهادي لحزب الله لم يعد ضد العدو الإسرائيلي بل تحول إلى قتل السوريين الثائرين لنيل حريتهم وكرامتهم من نظام انتهكها منذ عقود. فهل قام اللاجئون السوريون في لبنان بمجازر في المدن والبلدات اللبنانية؟ إن من قام بمجازر في لبنان واحتله لعقود ثلاثة ونكل بالشعب اللبناني هو حافظ الأسد ووريثه بشار الذي يقوم حزب الله اليوم بحماية نظامه.

ما وراء الأكمة

إن عودة اللاجئين السوريين إلى حضن الأسد تبقى عودة محفوفة بالخطر على حياتهم حسب تحذيرات المنظمات الإنسانية. وإضافة إلى ذلك ما هي الخدمات التي يمكن للنظام أن يقدمها لهم وهو الذي دمر منازلهم، وقتل أفرادا من ذويهم وهو الذي أجبرهم على اللجوء، وكيف لهذا اللاجئ أن يؤمن حياته بعودته إلى الوطن في الوقت الذي يعاني المواطن تحت سيطرة النظام من شظف العيش وتدني معيشته حيث لا يصل راتبه وسطيا إلى أكثر من 15 دولارا في ظل انخفاض سعر الليرة السورية إلى مستويات دنيا. فلماذا إذن كل هذا التكالب على اللاجئين السوريين ودفعهم بشتى الوسائل لمغادرة لبنان بأي طريقة، وقام قسم منهم بالإبحار بعيدا في بحر الموت المتوسط.

المسألة الحقيقية لا تتعلق بأزمة اقتصادية بل في الحقيقة المرة التي تتعلق بأزمة طائفية، فالخوف الذي يقض المضاجع هو مسألة التوطين، أو بمفهوم آخر “خربطة” التوازن الطائفي في لبنان. فهؤلاء السوريون هم من المسلمين السنة في معظمهم وسيضخمون نسبة السنة في لبنان على حساب الطوائف الأخرى، وقد قالها صراحة بطرك الموارنة بشار الراعي في مقابلة تلفزيونية “بكرة بيجي واحد بيطلب نجنسهم”. فهذا هو الخوف الحقيقي دون مواربة، ولكن لو كان السوريون من الطائفة المسيحية هل سيعاملون بنفس المعاملة؟ ألا سيجد ساسة موارنة لبنان أنها فرصة لتضخيم عددهم بتجنيس السوريين؟ والكلام صحيح أيضا بالنسبة للشيعة. وهل سيقبل حسن نصر الله بأن يعاملوا بهذه الطريقة لو كانوا من الطائفة الشيعية؟ وهل كان سيذهب إلى سوريا أصلا لقتال “التكفيريين”. يكفي الاختباء خلف حجج واهية، وليتذكر الأخوة اللبنانيون أن سوريا استقبلتهم خلال عقد ونصف العقد من حربهم الأهلية ولم تنصب لهم خيمة واحدة.