هذه المرة لم يكن الذئب جائعا فاكتفى بركل ليلى على رأسها علّه يفقدها وعيها ، فيدخرها طعاما مؤجلا في وكره للحظة جوع وعجز عن اصطياد فريسة .
لطالما كانت أمهاتنا تروي لنا حكاية ليلى والذئب لتنبهنا أن نكون حذرين ومتنبهين لشراك الذئاب التي تفتك بمن يتصرف بطفولة منزهة عن الشك والغدر مستهينا بتوجيهات أمه عن المسالك الآمنة في الغابة التي توصلنا لبيت الجدة والتوقيت الآمن لفعل ذلك ..
لكننا اليوم لسنا في الغابة يا أمي .. والدروب معبدة ومضاءة ، والمسالك ملأى بالناس والأطفال فلن يتمكن الذئب من الاستفراد بنا والتهام لحمنا الطري .. ولم يعد العالم المحيط ببيت الجدة غابة بل شوارع ومبان وشارات ضوئية تنظم عبور البشر والعربات والدراجات ..
الذئب فشل بافتراس ليلى في الحكاية ، لكن ذئبا بشريا مشحون بالتخلف والجهل والشعور الكاذب بالتعالي المرضي حاول تكرار التجربة وافتراس ليلى مجددا بعد أن كبرت وطعنت في السن وكاد ينجح رغم أنها هذه المرة ليست في الغابة ، وليست وحيدة ! لكن مهلا هل حقا لم تكن ليلى وحيدة ؟ وهل حقا أنها لم تكن هذه المرة في الغابة ؟! .. هكذا هي ظنت .. وهكذا اعتقدنا جميعا ، فلقد أعطتها المباني والشوارع والشارات الضوئية والسيارات العابرة انطباعا كاذبا أنها ليست في غابة .. وأن كثرة المارّة غذّى فيها شعورا كاذبا بالطمأنينة المتوهمة .. لكن الذئب كان يدرك أن تلك الأبنية التي احتلت مساحة الغابة القديمة لم تغير من كونها غابة بل على العكس زادت وحشتها .. وأن كثرة المارّة لايغذي بالضرورة الطمأنينة المفترضة للفريسة فتجرأ على تكرار مشهد الافتراس .
ولكننا في زمن مغاير يا أمي .. الآن هناك مجتمعات ودول وقوانين تنظم ممارسة الحقوق وإدارة الخلافات وفض المنازعات والنزاعات ...
قهقهت أمي وقالت يبدو أنك لم تنضج بعد ياولدي .. إن كانت كل تلك الشرائع والقوانين والنظم موجودة فما الذي جعلك لاجئا ؟! ولماذا تركت كل ماأورثتك إياه من مال ومساكن وأطيان وفررت بحقيبة صغيرة على ظهرك لاتلوي على شيء ؟!! .. هل وفر لك القانون حماية من البراميل المتفجرة ؟ وهل عصم عنك الاعتقال والتعذيب ؟.. وهل وفّرت لك تلك القوانين طوفا تعبر به عباب البحر وتصل سالما لبر تفترضه آمنا ؟!! .. ياولدي نعم هناك قوانين لكنها تنتهك وتداس بالبساطير ، وهناك دول ودساتير ولكن يقوم من أقسم على احترامها بالتبول عليها !! .. هي الغابة نفسها ياولدي ولكن تبدل شكلها ولم يتبدل قانونها .. وأينما وليت وجهك ثمة ذئب كامن فيها يبحث عن فريسة ، فلا تكن تلك الفريسة وحذاري أن تكون من الذئاب .
العنصري ياولدي ليس إلا ذلك الذئب الذي يحاول دائما تصيّد وافتراس ضحية ممن يعتقد أو يفترض أنها أقل شأنا وقوة منه ، وأن لحمها البضّ مباح ومستباح لقواطعه وأنيابه كلما عضّه الجوع والشعور بإمكانية الاستباحة (!) .
ورغم كل مايشاع ويتداول عن عصر الأنسنة ماتزال هي الرواية والمعادلة .. الذئب وليلى وسنن الغابة وقوانينها ، إلى أن يعود البشر إلى رشدهم ، ويكفوا عن التحلّق حول إبليس وغوايته .