قبل بعثة محمد ( ص ) .. كان العرب يعبدون الله ويحجون ويطوفون حول الكعبة لكن كان لديهم آلهة وسيطة كـــــ ( هبل ، واللات ، والعزى ، وأساف ، ونائلة ، ومناة ) كانوا يصنعونها بأيديهم (!) ويتخذونها وسيلة للتقرب إلى الله ، ويخشون مجرد التفكير بعدميتها ، او بجدواها على الرغم من أنهم صانعوها لأن هذا ماألفوا عليه آباءهم .. لذلك عندما بعث محمدا عليه الصلاة والسلام برسالة التوحيد حاربوه وناصبوه العداء لأنه يهدم لهم أفكارهم ويقوض لهم ما ألفوا عليه آباءهم .
في زماننا الآن ثمة آلهة جديدة يتخذها أو يؤمن معظم المسلمين بها و أنها وسيلتهم لإدراك سبل وصولهم الى الله أو تواصلهم معه .. هذه الالهة الجديدة ليست من حجر او خشب أو رطب كما كان أجدادهم يصنعون وإنما من حبر وورق ، هي الارث الفقهي و الحديث ( النبوي) الذي صنّمه هؤلاء وصار جزءا من الرسالة الإلهية وبعضهم يعتبره وحيا ثانيا وفق مايعتقدون (!) لايجوز بالتالي من وجهة نظرهم مخالفتها أو عدم الأخذ بها .
من المهم في هذا المقام أن نميز بين ماهو إلهي المصدر وهو القرآن الكريم الذي جاء به الرسول من الله وهو ملزم لنا وعلينا اتباعه بطبيعة الحال إن كنا مؤمنين بالله ، وبين ماهو بشري وصدر عن الرسول خارج مقام الرسالة - اي خارج النص القرآني - فهو قول أو تشريع بشري تماما نأخذ به او نرفضه او نعدل عليه او نلغيه بحسب مقتضى الحال .
وبالتالي فإني أرى ان تصنيم السنة النبوية - على الرغم مما يشوب بعضها من عوار يجعلها على تصادم وتناقض مع النص الإلهي أو مع منطق العقل السويّ - إلى درجة دفعت البعض من الفقهاء للقول بأن القرآن ينسخ بالسنّة فإن جعلها في مقام كتاب الله هو الخطأ عينه الذي قد يصل لدرجة الشرك بالله .
السنّة مجرد سلوك أو قول بشري صدر عن الرسول الكريم في غير مقام الرسالة بمعنى أن لاصلة تربط بين مايوحى إليه من الله ومكلف تبليغنا إياه وهو القرآن الكريم ، وبين قوله وحديثه كإنسان أنيط به من أنصاره والمؤمنين به أن يدير شؤون حياتهم ومعاشهم والانتقال من طور القبيلة إلى طور الدولة .. وبالتالي فكل مايصدر عنه من قول أو تشريع هو مسألة دنيوية تقبل الخطأ والصواب ، والأخذ والعطاء ، والتعديل والإلغاء لكونها صدرت عن بشر ، وعديدة هي الوقائع التي استشار فيها الرسول الكريم أصحابه وعدّل أو بدّل في رأيه وأخذ بالأصوب ، وما كان له أن يفعل ذلك لو كانت سنّته وحيا ثانيا .. ثم لماذا يكون هناك وحيا موازيا أو ثانيا طالما أن الرسالة والوحي الأساسيان مستمران ، أليس الله بقادر على أن يضّمن محتوى الوحي الثاني المزعوم في كتابه الذي يوحي به للرسول الكريم ؟!!! .
إن كل الآيات القرآنية التي يتوكأ عليها دعاة تصنيم السنّة - وتاليا الفقه - والتي تدعوا الناس للأخذ بما أتانا به الرسول عليه السلام والكف عما نهانا عنه إنما تدعوا المؤمنين للأخذ بما أتانا به محمدا من الله أي بالرسالة التي كلف محمد تبليغنا إياها كرسول ، وليس بما يقوله هو كبشر وبالتالي فإن ماهو بشري يبقى كذلك ولا يرتقي بحال إلى مصاف الإلهي .
مصيبتنا اننا ألّهنا الرسول عليه السلام ولم نعد نعتقد او نتقبل أنه بشر مثلنا يصيب ويخطئ ، يأكل ويشرب وينام ويمارس الجنس .. وحولناه الى معبود يقارب الله تعالى في المكانة بشخصه وقوله وفعله مع التنويه ان كثير مما يعتبر قول له أي سنة عنه لايستقيم لا مع القرآن ولا مع منطق العقل السوي وهذا الكثير المشوه تعج به كتب الأحاديث التي صنمناها بدورنا وجعلناها الهة وسيطة .
فلنتق الله في ديننا أولا وفي الرسول نفسه ولنتق الله في أنفسنا وعقولنا التي أقلناها من وظيفتها وملأنا بها حشو الكلام مما دجلوا به علينا وقالوا " هو ثابت من الدين بالضرورة " ( ! ) .
وعلى الرغم من احترامنا لهذا الجهد البشري لكنه ليس الوسيلة الوحيدة والملزمة لمعرفة سبل الوصول إلى - أو التواصل مع - الله ولا اعتبر ماجاء فيه إلا جهدا بشريا يقبل التصويب والدحض والقبول والرفض لكنه يبقى أنه ليس جزءا من الرسالة التي ارسلها الله لنا وأوجب علينا الإيمان بها والعمل بهديها وبالتالي فمناقشة ومجادلة هذا الجهد البشري أو عدم الأخذ به لايجوز اعتباره نقصا في او انتقاصا من الإيمان ، فما قاله الله شيء ومايقوله البشر شيء آخر فلا نتخذنّ من الثاني آلهة وسيطة للوصول الى الأول
هذا المقال يعبر عن راي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي السوري اليوم