يفترض بالمشهد الاستعراضي الذي نشر على مواقع التواصل الاجتماعي وتداوله السوريون ممن كتب الله عليهم الإقامة في مناطق قيل لهم أنها ( محررة ) عن الشاب ( وليد الخويلد ) وهو كما قيل ابن (عدنان الخويلد ) أحد قادة فصيل السلطان مراد التابع للجيش ( الوطني )، أن يثير حنقهم واستهجانهم لكن لا أفترض أنه يشكل صدمة لهم لكثرة ما شاهدوا ما يشبهه على أرض واقعهم المرير، فتلك الممارسات والسلوكيات هي جزء بنيوي وتربوي لدى هؤلاء المسوخ الذين شبعوا من بعد جوع ، وتسيّدوا من بعد ذل لطالما حفر في دواخلهم حقدا يتبدى كل يوم في سلوكياتهم تجاه المجتمع المحيط .
هؤلاء وآباؤهم ومن يصطف معهم ويعمل لديهم هم أنفسهم من كانوا يتزنرون بالسلاح ويحملون بنادق الكلاشينكوف ويقفون أذلاء على أبواب ومداخل شعب حزب البعث، وهم أنفسهم من كانوا يخرجون في مسيرات الدعم والهتاف لقائدهم المفدى ويعقدون حلقات الدبكة في مناسبات آذار ونيسان والتشرينين.. وهم أنفسهم من طرزوا تقاريرهم لأفرع المخابرات ربما حتى بحق أقرب مقربيهم ... فالوضاعة متأصلة في نفوسهم، لا يستطيعون عنها فكاكا ولو أثروا بملايين الدولارات وركبوا المرسيدس والكاديلاك وأرقى أنواع السيارات ... وبالتالي فتلك السلوكيات هي منعكس نفسي يريد من يقوم بها أن يقول للسوريين المقهورين والمطحونين بجبال الأزمات، لا تلتفتوا إلى الوراء وتنقبوا عن سلوكنا الخسيس، فنحن سادة هذا الزمان.
لم تعد كارثة السوريين تقتصر على أنهم عاشوا رعايا سلطة عصابة أخرجتهم خارج سياق التطور الطبيعي للمجتمعات وشنت عليهم حربا مفتوحة دمرت مختلف أوجه الحياة.. ثمة كارثة أخرى يعيشها السوريون اليوم ممن ظنوا أنهم نجوا من حكم العصابة، وهي أنهم صاروا خاضعين لحكم العصابات التي اقتطعت لنفسها اقطاعيات جغرافية – عسكرية تحكمها بسطوة سلاحها خارج أي قانون وتفرض فيها ما تشاء على الناس من إتاوات وتستبيح لنفسها ما شاءت من الممتلكات والمحرمات.
كارثة السوريين ممن فروا نزوحا التماسا لعيش آمن تحت سلطان (الثوار الأحرار) أنهم وجدوا أنفسهم محكومين بنموذج من سلطة الأمر الواقع يشابه كثيرا في أدائه وسلوكه مافرّوا منه ويزيد عليه في فوضويته وتعددية مرجعياته وتواري أي دور للقانون وسلطان القضاء فيه.
لقد كانت المناطق تحت سيطرة ( المعارضة ) امتحانا حقيقيا لقدرتها على بناء وتقديم النموذج البديل عن نموذج النظام المسرف في دمويته وقمعيته واستبداده، لكنها بكل أسف سقطت في هذا الامتحان سقوطا مريعا ومدويا ، وصار للميليشيات المسلحة - المتفردة في حكم وإدارة تلك المناطق تحت سمع وبصر كيانات المعارضة وصمتها – معتقلات وأمنيات وزنازين تعذيب حتى الموت في تماهي غير طبيعي مع أدوات النظام وسلوكه والتي يفترض أنها على الضد منه ، فتحولت تلك المناطق إلى مستنقع آسن تمارس فيه كل أنواع الجرائم والفساد والإثراء غير المشروع.
قبل فترة اتخذت ما يسمى غرفة ( عزم ) قرارا بتنحية المدعو ( أبو عمشة ) عن قيادة فصيله بسبب ما ارتكبه من جرائم وفظاعات- والكارثة أن متخذوا هذا القرار يمارسون نفس السلوكيات ويرتكبون ما هو أسوأ من الجرائم ومنهم بطبيعة الحال قائد ميليشيا السلطان مراد نفسه - لكن وعلى الرغم من قصور القرار لكونه لم يشتمل على المحاسبة والمساءلة عن الجرائم والانتهاكات، ها هو القرار ومن أصدره يرميا في سلة المهملات ، فقد عاد ( أبو عمشه ) مع أعوانه وأزلامه إلى إقطاعيته العسكرية سالما معافى بعد أن شارك في اجتماع القيادات العسكرية مع رئيس الحكومة المؤقتة قبل أيام، ما يؤكد صورية تلك التنحية (!)
أبو عمشة ليس ظاهرة فردية في مستنقع الشمال السوري، هو حالة مستنسخة ومكرورة وموصوم بها كل قادة ميليشيات (الجيش الوطني).. وهنا لابد من طرح السؤال الذي يحار المرء في تدبيج جواب له وهو: من يسائل من في هذا المستنقع المريع؟ وهل حقا نملك شرف الاحتفال بذكرى الثورة؟!.