الرجال يأكلون الحصرم والنساء يضرسن "لمناسبة اليوم العالمي للمرأة"

لوحة آدم وحواء للفنان لوكاس كراناش الأكبر (إنترنت)
لوحة آدم وحواء للفنان لوكاس كراناش الأكبر (إنترنت)

   عبر قرون استقر في الوجدان الشعبي العربي وهو في معظمه خليط من العادات الجاهلية والأباطيل الفقهية، أن المرأة تسببت في إخراج آدم من الجنة!! بمعنى أنها سبب كل نائبة تلم بآدم المسكين وبنيه وأنه لولا غوايتها لكان البشر الآن يرتعون في جنة الله ويرفلون بنعيمها (!).

   ورغم أن الحقيقة تدحض تلك الأوهام المتوارثة وتقول أنَّ آدم هو من ارتكب الخطيئة الأولى كما ارتكب ابنه الجريمة الأولى من بعده أيضا، وأن حواء نزلت الأرض بجريرة خطيئته إلا أن الوهم ما يزال مسيطرا على العقول والضمائر الجمعية ليدين المرأة بخطيئة لم تفعلها وجريمة لم ترتكبها إمعانا في تعزيز فكرة التفوق الذكوري والاستحواذ على القرار وإدامة السيطرة.

   جاء في القرآن الكريم آيات عدة تعزز هذا الفهم وذاك المعنى.. إذ قال الله تعالى في الآية 35 من سورة البقرة: ((وقلنا يا آدم اسكن انت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين)).

   وقد حذر الله آدم من إبليس الذي طغى ورفض أمر ربه كما هو معروف حيث ورد في الآية 117 من سورة طه: ((فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى)).. ثم عرض الله علينا المشهد بعد غواية إبليس لآدم حيث قال جلّ وعلا في الآية 120 من نفس السورة: ((فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى)) فاستجاب آدم لغواية الشيطان وعصى أمر ربه كما تؤكده الآية 121 من سورة طه ((فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، وعصى آدم ربه فغوى)) لكن الله برحمته وعفوه أعطى آدم كلمات يتوب بها ويؤوب فيها كما جاء في الآية 37 من سورة البقرة ((فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم)).

   وهكذا نرى أن الشيطان وسوس لآدم وليس لحواء، وأن آدم هو الذي استجاب لغواية الشيطان وهو الذي عصى أمر ربه، ثم هو الذي تلقى من ربه سبيل التوبة لأنه هو من ارتكب الخطيئة وليس حواء.

   هذه السردية ليست غايتها فقط نفض الغبار المتراكم في بعض دهاليز عقلنا الجمعي ودحض الوهم بالحقائق في واقعة محددة بذاتها بل في وقائع وأفكار ومقولات كثيرة تكرست عبر قرون من الافتراق عن العلوم على مختلف ألوانها ومشاربها واللجوء إلى فقه اجترحه أصحابه قبل قرون عدة ربما كان استجابة لحقائق واقع ذاك الزمان ومعطياته، لكنه بالقطع لن يكون كذلك وفق معطيات ومستحدثات هذا العصر.

   هذه السردية تهدف للقول وخلافا لكل فقه واجتهاد أن المرأة كالرجل كيان كامل العقل والأهلية لا تحتاج محرما في سفرها، ولا وليا يبرم عقد زواجها ويقرر مستقبلها، وهي أهل لتقلد المناصب العامة على مختلف درجاتها ومستوياتها، وهي فوق ذلك وقبله أهل للقوامة على نفسها وأسرتها عند توفر معطياتها وشروطها وهي أهل لرعاية أولادها وإدارة شؤونهم من أي شخص آخر على أي درجة من درجات القربى إن حصل فراق أو افتراق وشقاق في الأسرة، وكل قول خلاف ذلك هو محض هراء يهدف لتكريس الطاعة العمياء بلا سند إلا تأويل الأقدمين.

   اليوم العالمي للمرأة مجرد كرنفال سنوي لنقرع فيه الأجراس فحسب بل لنعمل فيه جردة حساب بما اشتغلنا عليه وما أنجزناه من خارطة الانعتاق مما هو بال ومهترئ من العادات والأفكار نحو بناء شراكة حقيقية تقر بآدمية المرأة وحقوقها الإنسانية بوصفها كيان مستقل بذاته وليس من ملحقيات الرجل ومتاعه.