اعترضني سؤال من أحدهم على مواقع التواصل الاجتماعي يسأل فيه عن (الحكم الشرعي في الإسلام من واحد أستدان مبلغا من عشر سنوات ويريد رده الآن لصاحبه كما هو بعد أن أصبحت قيمة الليرة السورية أقل بمئة ضعف تقريبا عما كانت عليه وقت المداينة).
بداية محّصت ببعض التعليقات التي تراوحت بين وجوب سؤال أهل الذكر (!) وبين من (حرّم) على الدائن أن يأخذ ليرة زيادة عن مبلغه وبعضهم نصحه (بقسمة الغرماء) والتراضي على مبلغ معين.
ومن المهم في هذا المقام أن نبين للناس وخاصة أولئك المتوجسين من فكرة الربا – وهم محقون في ذلك – أن ليس كل فضل أو زيادة على مال هو ربا بالضرورة .. وما قد يبدو أحيانا أنه زيادة ظاهرية على المبلغ لا يعدو عن كونه زيادة كاذبة لا تمثل قيمة مضافة أو زيادة أو نماء في قيمة المبلغ على الإطلاق.
العملة الوطنية والانهيار الاقتصادي
والمشكلة تظهر هنا عندما يكون الدين بالعملة الوطنية التي تعرضت لانهيارات مريعة جعلت من سعر الدولار مضاعفا بمقدار ثمانين ضعفا عما كان عليه وقت المداينة، أو جعلت من سعر غرام الذهب يتضاعف أكثر من مئة وخمسة وسبعين ضعفا عما كان عليه وقت المداينة.
وأرى في معرض ردي على هذا السؤال ومثله ما يتعلق أيضا بمهر المرأة المدون في عقد الزواج بالعملة الوطنية أيضا أن المال الورقي لا يستمد قيمته من الرقم المطبوع عليه بل من المعادل الذهبي الذي يغطي تلك القيمة بدليل أن الدول لا تطبع أموالا بالقدر الذي تشاؤه، وإنما بالقدر المتوفر لديها لهذا المال المطبوع من تغطية ذهبية وإلا يحصل تضخم وتنهار قيمة عملتها الوطنية .. في ضوء ذلك فإن سداد الدين من العملة الوطنية يجب أن يكون بما يعادله من قيمة ذهبية حين السداد فإن كان المبلغ النقدي حين المداينة يعادل افتراضا نصف كيلو من الذهب على سبيل المثال فإنه عند الرد والسداد يجب أن يعادل في قيمته قيمة نصف كيلو من الذهب أيضا حتى لو لم يكن هناك اشتراطا على ذلك بين الدائن والمدين فلا يجوز أن يضار الدائن بدينه وهذا هو العدل والإنصاف ويكفي أنه فك عثرة المدين وقت حاجته ولا يجوز لهذا المدين أن يقابل هذا الفضل بالإضرار.
ماذا عن المهور؟
وكذلك الأمر ينطبق على مهور السيدات المتزوجات فمن كان مهرها مائة ألف ليرة لا يجوز أن تتحصل عليه الآن مائة ألف بل يجب أيضا معادلته على قيمته الذهبية حين إبرام العقد وما يعادل قيمته الذهبية وقت الأداء ويكفي أن تلك السيدة قبلت أن لا تقبض مهرها عند إبرام العقد وهو حق خالص لها وذلك تيسيرا على زوجها فلا يجوز أن يقابل فضلها بالإنكار.
وفي هذا السياق لو أن للمدين بيتا كانت قيمته مليون ليرة سورية وهي تعادل عشرين ألف دولار مثلا بتاريخ المداينة وصار وفق أسعار اليوم ثمانين مليون ليرة سورية أي ما يعادل نفس الرقم من الدولارات فكيف يقبل لنفسه أن يتضاعف سعر بيته ثمانين ضعفا بالعملة الوطنية ولا يقبل ذلك عند أدائه للدين علما أن المعادل المالي - وهو هنا الدولار - بقي رقمه كما هو ولم يتغير ، وهذا يبين لنا أن الزيادة والفضل في الرقم عند الأداء هي زيادة وهمية صورية وليست زيادة فعلية لأن الدائن هنا يقبض نفس المبلغ الذي كان قد أسلفه للمدين في القيمة لا في الرقم وبالتالي ليس ثمة ربا قطعا في هذا الأمر لأنه ليس ثمة نماء أو زيادة في الشيء.
الدولار معادلاً بحد ذاته
وقد يعّن على ذهن سائل سؤال .. أن الدولار أيضا عملة ورقية وليس له معادل ذهبي على ما يتم طباعته منه، فلماذا لا تقبل الزيادة عليه إن كان الدين بالدولار أسوة بالعملة الوطنية؟ والجواب صحيح أن الدولار فك ارتباطه بالذهب منذ عدة عقود لكنه اكتسب لنفسه قوة جعلته معادلا بذاته لا يحتاج أن يستمد قيمته من المعادل الذهبي له بل صار هو معادلا آخر للعملات الأخرى إلى جانب الذهب، ولهذا يتم التعامل به وكأنه عملة عالمية، ولهذا أيضا دائما ما يقترن الحديث عن قوة اقتصاد دولة ما بالحديث عما تملكه في خزائنها من احتياط نقدي من العملات الصعبة ويقصد بها الدولار بطبيعة الحال.
ولهذا يقبل الجميع ويكون راضيا - دائنا أو مدين - برد المثل ولو بعد سنوات إن كان الدين ذهبا أو عملة صعبة لأنه الذهب معدن ثمين ولأن الدولار نقد يحمل قيمته في ذاته ولا يستمد قيمته من معادل آخر بخلاف العملة الوطنية.
لهذا وتجنبا لأي خلاف يمكن أن تحصل المداينة بالدولار أو الذهب وكذلك كتابة المهور في عقود الزواج يفضل من حيث المبدأ أن تؤدى مباشرة حين إبرام العقد فهذا هو الأصل والصحيح لكن إن ارتأى المتعاقدان تأجيله فالأفضل أن يكتب المهر ذهبا ... لكن في جميع الأحوال إن كانت المداينة أو المهر بالعملة الوطنية فالعدل والإنصاف يقتضيان إن كان الوفاء والأداء بالعملة المحلية أن يقوّما بما يعادلهما من ذهب أو عملة صعبة وقت المداينة أو وقت إبرام عقد الزواج.