البالون المنتفخ يبدأ فقدان حجمه بثقب صغير، بالون الاتحاد السوفييتي بدأ " يُنفِس" بثقب اقتصادي صغير في البداية ثم توسع حتى الانهيار رغم امتلاكه لآلاف القنابل النووية والأسلحة. بالون الولايات المتحدة الأمريكية بدأ " يُنفِس" مع هزيمة فيتنام، والأن يتوسع مع هزيمة أفغانستان، وخراب الشرق الأوسط، وخسارة مواقعه فيها لصالح غريمه اللدود روسيا، أيضا رغم امتلاكها لأسلحة الدمار الشامل. والأمثلة على ذلك كثيرة. بالون دولة الاحتلال الذي تعاظم حجمه ليس بفعلها بقدر ما هو من ضعف زعماء العرب الأشاوس وأنظمتهم الديكتاتورية التي ألغت دور شعوبهم، وتشتتهم وهرولتهم لخطب ود دولة الاحتلال، وحقن شرايينها بمصل الدولار النفطي في الوقت الذي تتكبر فيه، وتتجبر، وتتبختر، وتتعنتر على إخواننا الفلسطينيين، تقضم أرضهم، وتقتلع شجرهم، وتهدم بيوتهم، وتقصف مدنهم، وتعتقل أبناءهم، وتشدد حصارهم، أمام مرأى ومسمع الأشاوس الذين فضل بعضهم الصمت، والبعض الآخر العمى، ومن تبقى الطرش. وكأن الأمر لا يعنيهم، بل وتمادى البعض في إلقاء اللوم على الضحية كي يرضوا الجلاد... يا عباد.
حفرة سجن جلبوع في سهل بيسان شرارة توقظ النسيان، لألاف المعتقلين في سجون الاحتلال. هي ثقب ثان في بالون دولة العنصرية، والصهيونية العالمية بأكملها، بعد الثقب الأول في خرق أبطال غزة القبة الحديدية في آخر مواجهة مع دولة الاحتلال. والبالون الصهيوني المنتفخ "يُنفِس" أمام العالم أجمع. إنها عودة لإسطورة دافيد وجالوت المعكوسة، متمثلة اليوم بالفلسطيني الأعزل جالوت في مواجهة المارد دافيد الصهيوني المدجج بالسلاح. انقلبت الآية، والسحر على الساحر. لقد انتصرت الملعقة الصبورة التي حفرت بأناة وصبر وجلد خندقا في أرض بيسان، بطريقة أسطورية، على كل منظومة استخبارات الشافاك والموساد، وكل وسائلهم الإلكترونية المتطورة. ستة من أبناء فلسطين الأبية، فلسطين الثائرة، فلسطين الصامدة، فلسطين التي تأتيها الحراب في الظهر من الأخوة قبل الأعداء، فلسطين شعب الجبارين، قاموا بهذا العمل البطولي الذي يرقى إلى سينما الخيال، ويضعوا إصبعا وسطى في عين السجان الجلاد، وفي قضاة يحكمون الناس بمؤبدين ونيف من السنين لأبناء الأرض الذين يدافعون عن أرضهم وعن مقدسات الأمة، وفي عين الخونة الظلمة: "هل تسكت مغتصبة، يا أولاد... لا أستثني أحدا منكم". يقف كل متبصر اليوم أمام هذه المعجزة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، كيف انتصرت الملعقة على الدولة الجاسوسية رغم كل ما تمتلكه من أسلحة ومعدات متطورة جدا، وكيف اختفى تراب الحفر، وكيف خلال شهور طويلة كتم الأمر، وكيف نجا هؤلاء من حصن محصن من جلبوع الذي لا يستطيع أن يخرج منه حتى جربوع؟ جن جنون آل صهيون، كيف لثلة من أسرى في أعتى سجن واحصنهم في العالم أن يمرغ سمعة أجهزتهم الأمنية بتراب بيسان الشرارة التي توقظ النسيان.
كانت لنا من زمان
بيارةُ جميلة و ضيعة ظليلة
ينام في أفيائها نيسان
ضيعتنا كان أسمها بيسان
خذوني إلى بيسان.
جن جنون دولة احتلال بيسان التي زرعوا فوق بيارة برتقالها سجن جلبوع. صار رمزا لمقاومتها. ملعقة شاي ثقبت البالون المنتفخ. جن جنون آل صهيون، ومن ناصر آل صهيون، أعطوا أوامرهم: هاتوهم أحياء أو أمواتا. لكن الأمر لن يتوقف، جلبوا أم لم يجلبوا أبطال جلبوع، فالثقب لن يرقع و"التنفيس" مستمر.