مشى السوريون في غسق، من نجد إلى وهد، ومن قفر إلى وعر، هربا من بطش، من برميل متفجر، من سارين يسري في رئات الأطفال، من راجمات قاتلات، ومن أقبية الموت تعذيبا، وقتلا، وحرقا بعد الموت. اجتازوا الحدود إلى اللامحدود ينجون بأرواحهم مشيا في تغريبة تاريخية، لا يزال التاريخ يدون مآسيها. منهم من سقط منهكا، ومنهم من سلم الروح باريها جوعا وعطشا، ومنهم من حفر قبرا في قعر مياه المتوسط، أو لفظه البحر على السواحل البعيدة كإيلان وغير إيلان. لم يبد العالم اهتماما يذكر بالمسألة الإنسانية لملايين السوريين إلا من باب حسابات مصلحية، خشية خسارة، أو مكسب تجارة، عقد من الزمن مر بمرارة على معظم هؤلاء في مخيمات اللجوء التي لا يتقون فيها قيظا أو زمهريرا. إلا بفتات يقيهم الموت جوعا، أو برداء يرد داء برد
بالأمس قامت مجموعة من شبان سوريين بمشروع " المشي " وصنعوا دمية أعطوها اسم " أمل " كفسحة للأمل كي لا يكون العيش ضيقا. بدأت خطوة ال 10 آلاف ميل من غازي عنتاب أكبر مجمع للاجئين السوريين في تركيا، لتصل إلى مانشستر في بريطانيا مجتازة ثماني دول أوربية،
الطفلة " أمل " أعطت مثالا لدمى أخرى، هذه المرة في لبنان.
في مخيم شاتيلا للاجئين، تطرز أمينة، اللاجئة السورية بدقة حراشف السمك على قماش قطني.
وقالت أمينة: ”أنا أطرز سمكة وهي ترمز إلى حلم عائلة بالسفر. لهم ابنة صغيرة تخاف السفر. لمَ؟ لأنها تخشى أن تغرق في البحر وتلتهمها الأسماك.“ منذ عام قررت عائلة موصلي تقريب العالم من قصص وأحلام الأمهات السوريات في حلب التي مزقتها الحرب. من خلال قريب لهم ما زال في سوريا، يجمعون قصص سوريين عاديين ويحولونها إلى رسومات ويطرزونها على دمى قطنية تصنعها نساء سوريات.
ويسعى هذا المشروع الذي يحمل اسم مجموعة ”أنا“ إلى معالجة الألم الذي يشعر به السوريون الذين لا يزالون داخل بلاد مزقتها الحرب، من خلال الفن والتعبير عن النفس.
اللبنانية لاند لبكي قامت بمبادرة لإعادة الفرحة للكثير من الفتيات اللاتي تضررن من انفجار مرفأ بيروت، وتعتمد على تصميم عدد من الدمي على شكل الشخصيات الكارتونية التي تحبها الفتيات كنوع من التعويض المعنوي لهم لما عانوه من الانفجار الأليم .
اللبنانية ساجدة شاهين صنعت دمية أطلقت عليها اسم " بيروت " استخدمتها لجمع تبرعات لأبناء وأسر ضحايا انفجار بيروت، وقامت بتشغيل فريق كامل لصنع الدمى، وستنظم مزادا علنيا لجمع أكبر عدد من المتبرعين لمساعدة الأطفال وضحايا الانفجار.
هذه الدمى تقول كلمتها، بلغات الأطفال الذين تعيد إليهم البهجة، ترسم بسمة على شفهاهم، تعطيهم أملا في الحياة، في الوقت الذي نرى فيه زعماء العرب "الأشاوس" يصمون آذانهم عن مأسي الشعب السوري ومآسي شعوبهم، بل ويدعمون القاتل ضد الضحية، اليوم أهلنا في درعا يصرخون مستغيثين بكل ذي شرف، وذي نخوة، وفزعة ليقف إلى جانبهم، ولا أحد ينبس ببنت شفة. يقول المتنبي:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم
لعل هذه الدمى تسمع كلماتها زعماء العالم الذين يتصنعون، الصم والبكم والعمى، وزعماء العرب الذين يدفنون رؤوسهم في التراب كنعامات خشية خطر مداهم كي لا يسمعوا نداء إخواننا المستغيثين في حوران.