في الذكرى الرابعة والثلاثين لاغتيال الرسام الكبير ناجي العلي بيد أثيمة، هذا الفنان الموهوب الذي هجر قريته في فلسطين مع عائلته عندما كان صبيا ولجأ إلى لبنان ليعيش في مخيم عين الحلوة وجد نفسه في مجتمع طائفي يقدم هويته الطائفية على أي هوية أخرى. ويحضرني بعض رسوماته التي كنت اتابعها في صحيفة القبس الكويتية. في أحدى الرسومات نرى شخصا سمينا ببزة أنيقة يرمز إلى فئة من المجتمع المخملي يسأل رجلا فقيرا يجلس على برميل: أنت مسلم أو مسيحي، سني أو شيعي، درزي أو علوي.. قبطي أو ماروني.. روم كاتوليك أو روم ارث.. فيرد عليه الفقير: "أنا عربي يا جحش". هذا الرسم الكاريكاتوري يعكس تماما الوضع ليس فقط في لبنان بل في العالم العربي ككل وفي سورية بشكل خاص التي كانت تعرف ببلد التعايش الطائفي والعرقي قبل أن يتسلط آل الأسد على السلطة والذين جعلوا من الطائفية ركيزة حكمهم، وزادوا في الطائفية نغما بتحالفهم مع إيران ولاية الفقيه الذي وجدها فرصة لمد نفوذه " الشيعي" واللعب على الورقة الطائفية أيضا، ومع اندلاع الثورة المجيدة ظهرت الميليشيات الإيرانية الطائفية على أرض سورية تقتل بالشعب السوري، بعد أن مكن وجوده الطائفي أيضا في لبنان عبر تشكيل ميليشيات طائفية باتت دولة داخل دولة حولت لبنان الذي كان سويسرا الشرق والمنارة الثقافية إلى دولة فاشلة على وشك الانهيار.
ثم جاء دور العراق بعد سقوط نظام صدام حسين ليصبح العراق نسخة أخرى من لبنان بسن دستور يقوم على أساس طائفي، ولعبت أيران دورا كبيرا في تشكيل ميليشيات أصبحت أيضا دولة داخل دولة. وتمدد النفوذ الإيراني إلى اليمن عبر اليزيديين ( الحوثيين ) ليزداد الشق الطائفي في اليمن الذي كان " سعيدا ". ويتبجح قادة إيرانيون بأنهم يسيطرون على خمس عواصم عربية ( بضم البحرين إلى المجموعة السابقة). هذا التفكك في المجتمعات العربية بسبب أنظمة سياسية طائفية جعلهم يعانون من أزمة هوية فهل ينتمون إلى هويتهم الطافية، أم للدولة التي يحملون جنسيتها، أم لهوية عربية شاملة..