طوال نصف قرن من الزمان قفزت فيه معظم البشرية قفزات هائلة على مختلف المستويات ونهضت دول كثيرة بأوضاع شعوبها مكنتها من غزو الفضاء واستثماره وتطوير أدوات البحث العلمي وبدأت تطلق البرامج لاستكشاف المريخ وإمكانية توفر شروط العيش البشري فيه فيما نحن ما نزال ندور في منعطفاتنا التاريخية التي ماتزال تقودنا من كارثة إلى أخرى حتى صار التاريخ بما يزخر فيه من مصائب وأضاليل هو المقرر لحاضرنا ومستقبلنا.
نحن أكثر الشعوب التي تلوك التاريخ وتتبجح به، وأكثرها فشلا في الاستفادة من عبره ودروسه غالبا لسبب أننا نعرف مسبقا - لكننا نكابر - أن التاريخ نفسه يحتوي على الكثير من الوقائع الكاذبة والمضللة أو أننا ألبسنا تلك الوقائع تفسيرات ودلالات مغايرة لحقيقتها وهذا ما يجعل إمكانية الاستفادة من دروسه مستحيلة، فأنت لا تستفيد من الأضاليل حتى لو أسميتها حقائق وأقنعت نفسك على أنها كذلك.
كيف يمكن أن نتوقع إنتاج نمط آخر للحياة باستخدام نفس الشروط والأدوات والمعارف التي قادتنا إلى الجحيم الذي نحن فيه؟!
هو العيش في وهم دوامة المنعطفات التي نسميها تاريخية لكنها في الواقع مجرد هاوية ننحدر إلى قاعها بسرعة السقوط الحر للأجسام.
انتاج المعرفة أحد أهم شروط طي صفحة البؤس المقيم في حاضرنا، لكن مع الأسف ما نزال نفشل في انتاج الشروط اللازمة للعيش الآدمي.
وهذا ما يجعلنا مقبلين على "منعطف تاريخي" ربما نكون في نهايته أول الشعوب التي يتعين ترحيلها إلى المريخ، لكونها فشلت في توفير شروط العيش اللائق لنفسها على هذي الأرض.