اللاجئون السوريون.... قصص الموت والحياة

الفرار من الظلم والبحث عن الأمان
الفرار من الظلم والبحث عن الأمان


لم يتوقع السوريون أن يصبحوا يوماً من الأيام لاجئين على أبواب الدول العربية والأوربية، ولكن الإجرام الأسدي مدعوماً من روسيا وإيران، والمجازر التي ارتكبها بحق هذا الشعب كانت كفيلة لدفعه إلى ترك أرضه وبيته وكل ما يملك في سبيل النجاة من هذا الإجرام، وقد كانت الوجهة الأولى لأغلب السوريين هي دول الجوار مثل لبنان التي يسكنها ما يقارب مليون ونصف من اللاجئين السوريين، يعيش أغلبهم في مخيمات والباقي يتوزع على المناطق اللبنانية، أما الأردن فيستضيف مليون و300 ألف لاجئ يسكن أغلبهم في مخيمات بالمناطق الصحراوية على الحدود السورية الأردنية، وتحتل تركيا المرتبة الأولى بين دول الجوار في استضافة السوريين، إذ تستضيف ثلاثة مليون و600 ألف لاجئ، بعضهم يسكن في المخيمات الحدودية، والبقية يتوزعون على المدن التركية.


لم تكن هذه الدول الوجهة الوحيدة للسوريين، فبعد أن ضاقت بهم سبل العيش في هذه الدول، وبعد ما عانى الكثير منهم من الظروف الاقتصادية السيئة، ومن المعاملة العنصرية من بعض الدول، وبعد أن ازدادت وحشية النظام، كانت دول الاتحاد الأوربي هي المحطة الثانية في رحلة اللجوء لعدد كبير اللاجئين، رغم كل ما يكتنفها من مخاطر ومغامرات كانت تنتهي بعضها نهاية مأساوية كغرق عائلات بأكملها في عرض البحر.


لاجئون ابتلعهم البحر


كانت الوسائل التي يعبر بها السوريون البحر إلى الحلم الأوربي بدائية جداً، إذ عادةً ما يقوم المهربون بجمع خمسين لاجئ في قارب بدائي يطلق عليه "البلم"، ويتم دفعهم بالبحر للوصول إلى البر اليوناني، ولكن هذه المغامرة كثيراً ما كانت تنتهي بغرق هذا "البلم" الذي لا يتسع بالأصل لأكثر من 10 أشخاص، وللأسف فإنه لا توجد إحصائيات دقيقة أو حتى شبه دقيقة لعدد اللاجئين السوريين الذين غرقوا في البحر، وفي هذا الصدد يشير "مركز تحليل بيانات المهاجرين العالمي" أنه حتى عام 2019 لقي ما يقارب 500 لاجئ سوري مصرعهم في البحر، منهم 219 في شرقي البحر المتوسط، و281 في المنطقة الوسطى من البحر المتوسط، ويشير التقرير أن من بين هؤلاء الضحايا 67 طفلاً غرقوا في مياه المتوسط، بينما تشير تقارير أخرى على غرق أكثر من 2500 لاجئ سوري في البحر، وهنا تأتي قصة الطفل إيلان كردي الذي لقى حتفه غرقاً، ووجدت جثته على إحدى السواحل التركية لتكشف للعالم حجم معاناة اللاجئين السوريين، ولتخرج مظاهرات في شتى الدول الأوربية دعماً للاجئين السوريين، ومطالبة بفتح الحدود لهم، مما حدا ببعض الدول الأوربية لفتح أبوابها أمام السوريين كألمانيا مثلاً.


وفي هذا الصدد يضيف التقرير أيضاً أنه تم خلال الفترة نفسها تسجيل وفاة 300 سورياً، في مناطق أخرى مثل تركيا والعراق ولبنان أثناء محاولتهم العبور إلى أوروبا براً.


وأخيراً وصلوا


بعد خوض كل المصاعب والمغامرات وصل اللاجئون السوريون إلى دول الاتحاد الأوربي، وقد استقر القسم الأكبر منهم في ألمانيا إلى جانب العديد من الدول الأوربية الأخرى، وكانت السمة الملاحظة عند السوريين هي سرعة التأقلم والتكيف مع المجتمع الجديد على عكس ما كان ينظر إليهم المجتمع الغربي بشكل عام، وفي هذا الإطار حقق السوريون إنجازات كبيرة في ميادين العمل والعلم، رغم كل التحديات التي تواجههم في مجتمعهم الجديد، من هذه القصص قصة الشاب عمر الشغري وهو لاجئ في السويد، يقول إن إصراره دفعه لتعلم اللغتين الإنكليزية والسويدية وهو الآن يتحدثهما بطلاقة، عمر أكمل دراسته في مجال الإلكترونيات في السويد، وهو اليوم يعمل في "المنظمة السورية للطوارئ" ومقرها الولايات المتحدة، وهو إلى جانب ذلك تم قبوله في جامعة جورج تاون في واشنطن حيث سيدرس إدارة الأعمال.


ومن هذه الإنجازات أيضاً قصة السورية شوشي باركاريان التي اخترعت جهازاً للطاقة المتجددة في كندا، وعلى سبيل ذكر الإنجازات نذكر الفتى السوري محمد الجندي الذي فاز بجائزة نوبل للسلام للأطفال في لاهاي. وفي مجال الأعمال نذكر السوري عبدول سايمو، الذي حقق نجاحاً كبيراً من تأسيس أول مصنع للجبنة السورية في ألمانيا. ولا يتسع المجال هنا لذكر كل الإنجازات التي حققها اللاجئون السوريون في الغرب، إذ أثبتوا أنهم شعب جبار يعشق الحياة.


مخاوف من الترحيل


بعد الاستقرار النسبي للسوريين في دول اللجوء، واندماجهم إلى حدٍ كبير مع المجتمعات الجديدة، وبعد ما حققوه من نجاحات في مختلف الأصعدة، بدأت مخاوف الترحيل تثير قلقهم، خاصة بعد أن حرمت الدنمارك 94 لاجئ سوري من تصاريح الإقامة لعام 2020 من أصل 273 حالة تمت دراستها بشكل فردي، وقد وضع بعضهم في مراكز احتجاز للاجئين، إذ تعمل الدنمارك على إعادة النظر في ملفات سوريين تعود أصولهم إلى مدينة دمشق على اعتبارها مدينة "آمنة"، وللعلم فإن هذا القرار يخالف تقارير الأمم المتحدة التي مازالت تعتبر سوريا بلد غير آمن. وفي هذا الصدد أشار الموقع الإلكتروني لصحيفة "تسايت الألمانية" أن الحكومة الألمانية تعمل أيضاً على ترحيل لاجئين سوريين إلى بلدهم، وستبدأ بمرتكبي الجنايات والإسلاميين الخطيرين.


وما يخشاه السوريون هو أن يتوسع وينتشر موضوع الترحيل في باقي الدول الأوربية، وألا يقتصر الأمر على الدنمارك فقط.


الخوف من العودة إلى الوطن


أكبر عائق للعودة السوريين إلى وطنهم وأرضهم هو العائق الأمني، المتمثل بالخوف من النظام، وعدم الثقة به رغم كل الوعود التي يقدمها، ورغم كل مراسيم العفو التي يصدرها لترغيب اللاجئين بالعودة إلى وطنهم، فالسوريون الذين خبروا غدر ووحشية هذا النظام، والذين فروا بالأصل من جحيمه، كيف سيثقون به وهو مازال يخفي ويغيب آلاف المعتقلين في سجونه.


أما العائق الثاني الذي يحول دون عودة السوريين إلى وطنهم فهو العامل الاقتصادي، فلا يخفى على أحد الحالة المعيشية المزرية التي يعاني منها السوريون في مناطق النظام، إذ أصبح حلم المواطن السوري هو الحصول على رغيف الخبز، أو لتر مازوت، أو التنعُّم بساعتين من الكهرباء على أفضل حال، هذا ناهيك عن التدني الشديد في مستوى الخدمات وفقدان الرعاية الصحية.


متى يعود اللاجئون؟


من الطبيعي أن يعود اللاجئون عندما يتم التخلص من العوامل التي تمنعهم من العودة، وعلى رأس تلك العوامل هو التخلص من هذا النظام وأجهزته القمعية التي عانى منها السوريون ما عانوا طوال حكم هذه العائلة، من أيام الأسد الأب، وأن يتم بعد ذلك الشروع بإعادة إعمار سوريا، وبناء ما دمرته آلة الإجرام الأسدي، وهذا ليس بعيداً ولا غريباً عن الشعب السوري، الذي أنتج وأبدع في دول اللجوء، فمن الطبيعي أن يكون الإبداع والإنجاز أعظم عندما يتعلق الأمر ببناء وطنه.