كان قدر السوريين قبل قيام الثورة أن تتكرر على أسماعهم وعلى مدى خمسين عاماً أسماء قيادات الحزب والدولة، ابتداءً من حافظ وطلاس وخدام والشرع ثم بشار وماهر والمعلم وغيرها من الأسماء التي ألفها السوريون، والتي كانت تتكرر في كل المناسبات والمؤتمرات والأحداث المتعلقة بسوريا عربياً ودولياً، حتى بات يخيل للسوريين أن هذه "العصابة النخبة" هي وحدها من تفقه في أمور الحكم والسياسة والعسكر، وهي الوحيدة التي تملك أسرار ومفاتيح الحل والربط لكل ما يتعلق بسوريا سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وما على باقي أفراد الشعب إلا التسليم والاستسلام لهذه "القيادة" لأن هذا الشعب –بنظرهم- عاجز وقاصر عن فهم أسرار الحكم والقيادة، وكأن سوريا التي أنجبت العظماء على مر التاريخ أصبحت عاجزة أيام حكم حزب البعث عن إنجاب من يمثل سوريا ويدافع عنها سوى هذه الفئة المجرمة، والتي كان همها الأول هو الحفاظ على مكاسبها المادية و تحقيق مصالحها الشخصية قبل القيام بأي عمل يخدم سوريا كوطن.
ومع قيام ثورة الحرية والكرامة استبشر السوريون خيراً بتغيير هذا الواقع المأساوي، وحلموا باختيار من يمثلهم بكل حرية وديمقراطية، ولكن يبدو أن سفن التغيير جرت بعكس ما يشتهون، وأن طموحاتهم اصطدمت بأجسام ومكونات للمعارضة، لم يكن لهم أي دور أو رأي باختيار أي عضو من هذه المكونات، إذ كانت البداية مع المجلس الوطني السوري الذي تأسس عام 2011 وبعده كان مؤتمر جنيف1، وتوالت بعده المؤتمرات، وتم بعدها تشكيل الائتلاف الوطني ليضم أكبر عدد من ممثلين الشعب السوري، وبعدها تم تشكيل هيئة المفاوضات، واستمرت المؤتمرات وتكاثرت اللجان والهيئات التي تدعي تمثيل الشعب السوري، ولسنا هنا بصدد مهاجمة أو نقد هذه الأجسام المعارضة، ولكن نقول إن القاسم المشترك بينها هو تكرار نفس الأسماء منذ تأسيس المجلس الوطني إلى يومنا هذا، وما زاد الطين بلة أن يتنقل أحدهم من رئاسة الائتلاف إلى رئاسة هيئة التفاوض، ثم تجده بعد ذلك في اللجنة الدستورية، وقد تجد هذا الشخص نفسه في مؤتمرات سوتشي وأستانة، ولطالما تبادل الأشخاص نفسهم هذه المناصب فيما بينهم، في حين يكتفي الشعب بمعرفة أخبارهم، ونتائج انتخاباتهم -التي مازلنا نجهل كيفية حصولها- عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، دون أن يكون لهم حول في ذلك ولا قوة.
طبعاً نحن هنا لا نقارن بين شخصيات النظام المجرمة، التي شاركت بقتل وتهجير الشعب السوري، وبين الشخصيات الوطنية المعارضة التي كان لها دور تاريخي مشرِّف في مناهضة هذا النظام، ولكن من حقنا أيضاً كشعب ثائر قدّم قوافل الشهداء من أجل حريته وكرامته أن يكون لنا رأي في اختيار من يمثلنا ويدافع عن حقوقنا، بدلاً من أن يتم تعيينهم في الغرف المغلقة، ولنا أن نتساءل كيف اقتصرت المعارضة السياسية على فئة محدودة من الناس، تثبتت بمناصبها منذ العام 2011، خاصة وأن هذه الفئة أثبتت عجزها وفشلها في تحقيق أي خطوة تلبي طموحات الشعب السوري، فما أحوجنا في الوقت الراهن إلى ضخ دماء شبابية جديدة في هذه الأجسام المعارضة، علَّها تحقق ولو قدراً بسيطاً من الأهداف التي ضحينا في سبيلها، فالأمهات السوريات اللواتي قدَّمن فلذات أكبادهن في ساحات المعارك لن يبخلن بإنجاب الأبطال في ميادين السياسة والقيادة.