بعد فقدان السوريين الأمل بأي دعم أو تحرك عسكري دولي يؤدي إلى إسقاط النظام، أو على الأقل إخضاعه لتطبيق القرارات الدولية الخاصة بالانتقال السياسي في سوريا، وجد السوريون في قانون قيصر الذي أقرته الولايات المتحدة في أواخر عام 2019 طوق نجاة، أو بارقة أمل لإحداث تغيير ما، من خلال إضعاف النظام اقتصادياً، وبالتالي إجباره على الدخول في العملية السياسية، وهو ما لمسناه بالفعل في الأشهر الأولى من تطبيق هذا القانون، ولكن مع مرور الزمن وجدنا أن الرياح جرت بعكس ما يشتهي السوريون، وخاصة مع الإدارة الأمريكية الجديدة، التي لم تكتف بعدم فرض أي عقوبات جديدة على شخصيات وكيانات داعمة للنظام، بل إنها افتتحت عهدها برفع العقوبات المفروضة من الخزانة الأمريكية عن عدداً من المقربين من نظام الأسد كان منهم سامر فوز، أبرز الداعمين الاقتصاديين لنظام الأسد، وفي هذا الوقت بالذات كان النظام يتحصَّل على دعم اقتصادي من بعض الأنظمة العربية بحجة مكافحة فايروس كورونا، وقد كانت الطائرات الإماراتية التي تحط في مطار دمشق الدولي أفضل مثال لذلك الدعم.
ويستمر سير الأحداث على مستوى المنطقة، وتعصف بلبنان أزمة اقتصادية خانقة تهدده بالانهيار الكامل، ويبدأ بعد ذلك البحث عن سبيل لانتشال لبنان من هذه الهاوية، ليكون الغاز المصري هو الحل، عن طريق نقله عبر الأردن وسوريا إلى لبنان، وهذه اتفاقية كانت الدول الأربعة قد أقرَّتها فبيل انطلاق الثورة السورية، وما كان لهذه الدول أن تعيد العمل بها لولا وجود ضوء أخضر أمريكي، ليكون نظام الأسد أكبر المستفيدين من هذه الاتفاقية من ناحيتين؛ الأولى أنه كسب تطبيع رسمي وعلني مع عدد من الدول العربية ، والناحية الثانية هي المكاسب الاقتصادية التي تتمثل في حصوله على كميات من الغاز والكهرباء مقابل مرور الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر أراضيه إلى لبنان، وهو ما يشكل أكبر خرق لقانون قيصر منذ إقراره، والذي نص بشكل حازم على فرض عقوبات على الأشخاص والكيانات أو حتى الدول التي تتعامل مع النظام.
ولكن باعتقادي أن الضربة الأقوى لقانون قيصر كانت من خلال إعلان حسن نصرالله عن وصول أربع سفن إيرانية محملة بمادة المازوت إلى ميناء بانياس على الساحل السوري، ليتم بعد ذلك شحنها إلى لبنان؛ بهدف تخفيف من أزمة المحروقات الحادة في لبنان، وهي الأزمة التي كان نصرالله وميلشياته سببها الرئيسي من خلال تهريب المازوت المدعوم من الدولة اللبنانية إلى نظام الأسد. ولنا هنا أن نتساءل هل كان لهذه السفن أن تعبر كل هذه المسافات وبشكل علني، وأن تمر عبر الأراضي السورية لولا وجود رضا دولي، وبالأخص أمريكي؟، وهل كان لحسن نصرالله وميليشياته الطائفية أن يتبجحوا بإدخال هذه الكميات الكبيرة من المحروقات رغماً عن الدولة اللبنانية، ومع وجود العقوبات الاقتصادية، لولا غض الطرف الأمريكي عنهم؟، وبعد كل هذه الخروقات لقانون قيصر، والتطبيع الاقتصادي مع نظام الأسد ألا يحق لنا كسوريين أن نقول سلِّموا لنا على قيصر وواضعيه، إذا كانت عصابة متل "حزب الله" تتحداه وتخرقه أمام مسمع ومرأى العالم أجمع.