النفط مقابل الغذاء على الطريقة السورية

 في أبريل 1995 أصدر مجلس الأمن القرار 986، والذي عُرف لاحقاً باسم برنامج "النفط مقابل الغذاء"، وهو برنامج سمح للعراق وقتها بتصدير جزء محدد من نفطه، ليستفيد من عائداته في شراء الاحتياجات الإنسانية لشعبه، تحت إشراف الأمم المتحدة، وذلك للتخفيف من آثار العقوبات الاقتصادية المفروضة على العراق عقب انتهاء حرب الخليج الثانية.
طبعاً ساهم هذا البرنامج -إلى حدٍ ما- في تخفيف معاناة العراقيين الذين أنهكتهم الحروب والعقوبات في ذلك الوقت، وكانت الأمم المتحدة حريصة وقتها على منع النظام العراقي من الاستفادة المباشرة من عائدات النفط، وتسخيرها لتوفير الغذاء والدواء للشعب العراقي.
في واقع الحال تبدو الظروف الاقتصادية والمعيشية للسوريين أكثر قساوة هذه الأيام، من أيام الحصار المفروض على العراق مع اختلاف الأسباب والمسببات بالمقارنة مع الحالة العراقية في ذلك الوقت، إذ تعاني مناطق سيطرة النظام من أسوأ أزمة محروقات منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، أزمة اضطر النظام على أثرها لفرض أيام عطل في الأسبوع لعجزه عن تأمين المحروقات اللازمة لنقل الموظفين وطلاب الجامعة، إضافة إلى توقف العديد من الأفران عن العمل بسبب النقص الحاد في الوقود في تلك المناطق التي يزيد الشتاء القاسي من معاناتها، هذا إلى جانب انهيار الليرة السورية إلى مستويات تاريخية بشكل يومي.
أمام هذا الواقع يبدو أن هناك فرصة مواتية لنظام الأسد، ومن خلفه روسيا للتخفيف من حدة هذه الأزمة الخانقة، وذلك عن طريق تطبيق آلية "النفط مقابل الغذاء" في سوريا ولكن بصورة معاكسة؟ فيا ترى كيف يمكن ذك؟
ينتهي في 10 كانون الثاني/ يناير القادم قرار مجلس الأمن رقم 2642، وهو القرار الذي اتخذه مجلس الأمن في 12 يوليو من العام الماضي لتجديد آلية السماح بدخول المساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى لسورية لستة أشهر قابلة للتجديد لفترة مماثلة شرط تبني قرار خاص جديد.
وفي الوقت الذي تبدو فيها روسيا هذه الأيام أكثر تشدداً تجاه قرار التمديد لهذه الآلية بسبب الحرب الأوكرانية، يرى معهد "واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" أن أمام النظام وروسيا فرضة مواتية جداً للتخفيف من أزمته الاقتصادية الخانقة، إذ يوضح المعهد الأمريكي "أن الولايات المتحدة يمكن أن تساعد في التخفيف من أزمة الوقود في سوريا، ولكن فقط إذا وافقت دمشق وموسكو على تمديد آلية المساعدة عبر الحدود، واستئناف التقدم نحو تسوية سياسية نهائية".
وفي دراسة نشرها في وقت سابق أكد "المهد الأمريكي" على ضرورة أن تعمل واشنطن مع حلفائها للإبقاء على المساعدات الإنسانية عبر الحدود، وأن تدرس توسيع نطاق الإعفاءات الإنسانية مع الإبقاء على المساعدات للمساهمة في تخفيف معاناة السوريين دون أن يستفيد النظام منها، ودراسة إمكانية تسليم شحنات الوقود والحد من استغلال النظام لها.
هنا قد يتساءل المرء عن كيفية منع النظام من الاستفادة من هذه المساعدات، إذ يُعد إرسال إمدادات الطاقة إلى سوريا أمراً معقداً بشكل خاص؛ لأن معظمها يتم تحويله إلى منشآت وشبكات النظام نظراً (لطريقة) تصميم البنية التحتية للطاقة في سوريا.
وفي هذا السياق يرى المعهد "الأمريكي" أن إحدى هذه الطرق تتمثل في إنشاء "قناة بيضاء" للمساعدات الإنسانية في سوريا، على غرار النهج الذي اتُبع مع إيران في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، عندما أعلنت واشنطن أن الحكومات والمؤسسات المالية الأجنبية يمكنها إنشاء آلية دفع للصادرات الإنسانية المشروعة إلى ذلك البلد ما دام لم يتم تحويل أي أموال إلى النظام؛ فإنشاء مثل هذه القناة لسوريا سيتطلب من الحكومات التي تتبنى مواقف مماثلة اتخاذ قرارات متزامنة للسماح بتنفيذ الآلية، بالإضافة إلى إنشاء غرفة مقاصة سيادية لتحمل مخاطر المعاملات المرتبطة بالشحنات في سوريا.
إذ تضمن هذه الطريقة عدم استفادة نظام الأسد والمليشيات الطائفية من شحنات المساعدات أو التلاعب بها، وهو مصدر قلق رئيسي بالنسبة للولايات المتحدة.
وبالعودة إلى قرار "النفط مقابل الغذاء" الذي كان معمولاً به في العراق نرى مفارقة كبيرة بالنسبة للحالة السورية، فالعراق وقتها كان يصدر نفطه وبأسعار تتحكم بها الولايات المتحدة مقابل إطعام شعبه، أما نظام الأسد فيتلاعب بملف المساعدات الإنسانية المقدمة لأربعة ملايين سوري يعيشون في الشمال -2 مليون منهم يعيشون في المخيمات- كأداة للحد من المجاعة والفقر لأكثر من 9 ملايين في مناطق سيطرته، أصبح رغيف الخبز ولتر المازوت حلماً بالنسبة لهم. فيا ترى هل يدفع الانهيار الاقتصادي النظام لتقديم بعض التنازلات السياسية (ملف المساعدات الإنسانية مثلاً) لإنقاذ ما تبقى من هيكل الدولة المتآكل، ووقف شبح المجاعة لدى حاضنته، أما أن لروسيا وإيران رأي آخر؟