عشر سنوات من عمر الثورة السورية كانت كفيلة لتعليم السوريين الكثير من الدروس السياسية والعسكرية، ولعل أبرز هذه الدروس التي تعلمناها هو أن أي تحرك أو اجتماع دولي لمناقشة "الأزمة السورية" لابد أن يسبقه تصعيد عسكري، يؤدي إلى قتل وتهجير المزيد من المدنيين، بالإضافة إلى تحطيم البنى التحتية للمناطق المحررة، وكل هذا التصعيد يكون من أجل إيصال رسائل سياسية من قبل روسيا فحواها أننا مازلنا متمسكين بهذا النظام.
من هنا كان التصعيد الأخير من قبل النظام وروسيا على المناطق المحررة في إدلب، وارتكاب مجزرة "إبلين" يوم الخميس الماضي، ومازال هذا القصف مستمراً على مناطق جبل الزاوية وريف إدلب الجنوبي حتى اليوم، مخلفاً عشرات القتلى والجرحى، ومؤدياً إلى موجات نزوح جديدة. وضمن سياق هذا الصعيد أيضاً تعرضت مدينة عفرين اليوم السبت لقصف صاروخي خلّف 19 قتيلاً وعدداً من الجرحى، والذي رجّح مراقبون ان يكون مصدره قوات سوريا الديمقراطية بالتنسيق مع قوات النظام.
ويرى مراقبون أن الرسائل الروسية من هذا التصعيد موجهة إلى تركيا أولاً، التي تُعقد بينهما اجتماعات على مستوى لجان تابعة لوزارة الخارجية، إذ يبدو أن هناك تعثراً في المفاوضات بين الطرفين، وأن روسيا تريد تحصيل المزيد من المكاسب السياسية والاقتصادية لصالح نظام أسد، وهو الأمر الذي ترفضه تركيا.
أما القسم الآخر من الرسائل فهو موجه إلى أمريكا، إذ أن هذا القصف يأتي قبل أيام فقط من الاجتماع المرتقب بين الرئيس الروسي بوتين ونظيره الأمريكي بايدن، ويرى مراقبون أن روسيا تريد تحريك وتسخين الملف السوري؛ ليكون أحد محاور المفاوضات بين الطرفين، وخاصة في ظل البرود الذي تتعامل به إدارة بايدن تجاه "الأزمة السورية"، وتريد روسيا إيصال رسالة أنها مازالت متمسكة بنظام الأسد؛ لذلك تريد مساعدته والتنفيس عنه اقتصادياً أيضاً عن طريق الضغط في قضية " إدخال المساعدات الأممية " عن طريق مناطق النظام فقط.
وهكذا نرى أن الخاسر الأكبر من هذه المناكفات السياسية بين الدول الكبرى هو الشعب السوري، الذي يدفع ثمن ذلك مزيداً من الدم والجوع والنزوح.