لا تقتصر كلمة نفاق على زمن معين، أو حالة دينية أو أخلاقية محددة، فهذه الكلمة من حيث أنها (إظهار عكس ما يخفي الإنسان) تنطبق على الكثير من الناس، وفي أزمان وأماكن متعددة، ويبدو أن أفضل من يتحلّى بصفة النفاق في وقتنا الحالي، هم اللاجئون السوريون في أوروبا الذين يشاركون فيما تسمى الانتخابات الرئاسية للنظام، فهؤلاء لجؤوا إلى هذه الدول بحجة قصف النظام لبيوتهم، وتهجيرهم منها إلى غير ذلك من الحجج، بينما الحقيقة أن نسبة كبيرة منهم لم يغادروا سوريا إلا من أجل تحسين وضعهم المادي والحصول على جنسية أو إقامة إحدى هذه الدول، ويكمن النفاق لدى هؤلاء بأنهم يبدون في ظاهرهم كرهاً للنظام، وقد يشتمونه أمام الناس أيضاً، بينما مازالوا يضمرون في قلوبهم حباً وولاءً له، ويتمنون بقاءه على الرغم من كل الإجرام والقتل والاعتقال الذي مارسه بحق السوريين، والدليل الواضح على ذلك هو مشاركتهم في هذه المهزلة الانتخابية، وتجمهرهم أمام سفارات النظام في الدول الأوربية، ورفعهم لصورة المجرم بشار وكأنه لم يفعل شيئاً.
قد نتفهم -نوعاً ما- وضع السوريين في مناطق النظام، وأنهم مجبرون على المشاركة في هذه الانتخابات تحت وطأة القبضة الأمنية والعسكرية التي يعيشون في ظلها، فهؤلاء (المجبرون) لن ينتخبونه حباً؛ لأن استمرار وجود النظام بالنسبة لهم هو استمرار للمعاناة الاقتصادية والاجتماعية التي لم تعشها سوريا منذ الحرب العالمية الأولى، واستمرار لطوابير الذل والمهانة أيضاً، ولكن في الطرف الآخر لا نستطيع أن نفهم أبداً مشاركة اللاجئين في أوروبا بهذه الانتخابات، إلا أنها حباً وتعلّقاً بهذا النظام المجرم، وإذا كان الأمر كذلك فحريٌ بهؤلاء أن يتم ترحيلهم إلى سوريا، كما طالبت بذلك عدد من الشخصيات اللبنانية؛ حتى يعيشوا في كنف هذا النظام الذي يحبون، وحتى يتمتعوا بالنعيم الذي يوعدهم به، فوجود هؤلاء بين اللاجئين الحقيقيين، أي الذين ذاقوا الويلات من إجرام النظام ووحشيته، يشكل عامل شك وريبة؛ لأنهم يقومون بدعم النظام مادياً، كما أنهم يعملون على إثارة المشاكل والفتن ضد اللاجئين الحقيقيين وتشويه سمعتهم أيضاً كونهم يعيشون بينهم، وكأن هذا الدور الخبيث الذي يقومون به لا يختلف كثيراً عن دور المنافقين قديماً الذين كانوا يطعنون في ظهر المسلمين، رغم أنهم كانوا معهم في صفٍ واحد، فهؤلاء يجب أن نحذرهم، ونكشف حقيقتهم للعالم؛ لأنهم أخطر ممن قبلهم؛ فهم منافقون ولكن بلا حدود.