إسرائيل وضرب الحبيب

قد يكون من أخف أنواع العقاب أثراً على النفس والجسد هو العقاب الصادر عن الأحبة تجاه الأشخاص الذين يحبونهم ويكنون لهم علاقة المودة مهما تغيرت الظروف وتوالت الأيام، ذلك أن الإنسان المُعاقب يدرك تماماً أن هذا العقاب لن يؤثر على علاقة الود بين الطرفين، وإن كان في ظاهره يحمل شيئاً من القسوة والألم الظاهر للعامة، إلا أن في طياته يحمل حباً ومودة كبيرة لايمكن لأي شيء أن يفسدها،؛ لذا قالوا في أمثالنا الشعبية (ضرب الحبيب زبيب).

في الحالة التي سنتحدث عنها في هذه الأسطر تمثل إسرائيل الحبيب الذي يقصف ويعربد في السماء والأرض السورية دون رادع أو مانع، بينما تمثل الصواريخ الإسرائيلية (الزبيب) الذي يتمتع بل ويتلذذ به نظام الإجرام الأسدي، ذلك أن هذا النظام يعيش منذ خمسين عاماً على مقولة (المقاومة والممانعة)، والتي من خلالها نهب ثروات البلد، واستولى على خيراتها، وسحق كل الأصوات المعارضة أو حتى التي يشك أنها قد تعارضه، بحجة العمالة والخيانة، وأنه هو وحده المقاوم والممانع للكيان الصهيوني، وهذا ماجعل سوريا تعيش مايقارب أربعين عاماً في ظل قانون الطوارئ وما يحمله من قبضة أمنية حديدية بحجة "أننا دولة مواجهة وصراع مع العدو الصهيوني"، وهذا أيضاً ما لجم أفواه السوريين عن السؤال عن مقدرات البلاد وخيراتها من نفط وزراعة وصناعة، بحجة شراء السلاح وتحضيره لـ" المواجهة والمقاومة"، لذا توفر هذه الضربات -التي غالباً ما تستهدف مواقع إيرانية أو ميلشيات تابعة لإيران- ذريعة وحجة واضحة للنظام يبرهن لمن تبقى من شعبه أنه مازال النظام الصامد الممانع لإسرائيل، في الوقت الذي أثبتت فيه الأحداث والوقائع أن نظام الأسدين (الأب والابن) هو أكبر حامٍ لحدود إسرائيل.

أما الخدمة الثانية التي تقدمها إسرائيل فتكمن في استغلال النظام لهذا القصف في التغطية على تردي وانحدار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مناطق سيطرته، إذ باتت سوريا في السنوات الأخيرة تتصدر دول العالم في الفقر والجوع، ونسبة البطالة، حتى بات رغيف الخبز حلماً صعب المنال يحتاج لساعات يقضيها المواطن وقوفاً على الطوابير ليحصل على ربطة خبز تم تحديد سعرها ووزنها مسبقاً على البطاقة الذكية، ولكي تتفاقم المعاناة أكثر استثنى النظام أكثر من 3 مليون سوري من الدعم الحكومي للمواد المعيشية الرئيسية كالخبز والسكر والزيت وووو، هذا إلى جانب انتشار الجريمة وتجارة المخدرات والكبتاغون الذي أصبحت سوريا تحتل المرتبة الأولى عالمياً في تجارته، مما دفع صحيفة لوموند الفرنسية على تسمية رئيس النظام بـ"إمبراطور المخدرات في الشرق الأوسط" في تحقيق نشرته يوم الأحد 23 كانون الثاني الماضي.

وكوسيلة لتبرير عجز وفشل النظام في تحسين هذا الواقع المتدهور على كل المستويات، يلجأ إلى إلهاء حاضنته بأخبار القصف الإسرائيلي الغاشم، وعن "بطولات دفاعتنا الجوية في التصدي لهذا العدوان" بينما ينصرف هذا الإعلام عن تصوير المعاناة الحقيقية للمواطنين، وعندما يغرد أحد الإعلاميين خارج هذا السرب، ويحاول نقد أو تصوير هذا الواقع يكون حظه الاعتقال والسجن كما حدث للصحفي كنان وقاف في مدينة اللاذقية، إضافة إلى ذلك يدعي النظام أن مواجهته لـ "المؤامرة الكونية" والتي يأتي هذا القصف ضمنها، تؤدي إلى عجزه عن معالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تنخر جسد المجتمع السوري في مناطق سيطرته.

أمام كل ما تقدم نجد أن الضربات الإسرائيلية لمواقع النظام تشكل له طوق نجاة بخلاف ما يحاول إعلامه تصويره من خسائر مادية وغيرها، توهم حاضنته المسحوقة بتأثّر النظام بهذا القصف، فكل صاروخ إسرائيلي يقصف مناطق النظام يمثل دافعاً ومبرراً لبقاء هذا النظام، وإطالة عمره أكثر وأكثر.