حكمت الهجري من شيخ عقل إلى زعيم "دولة باشان"

الزعيم الروجي لطائفة الموحدين حكمت الهجري
الزعيم الروجي لطائفة الموحدين حكمت الهجري

(عن القجس العربي)

في مؤتمر «وحدة الموقف للمكونات شمال وشرق سوريا» الذي عقد في الحسكة في 25 أغسطس الماضي، والذي شارك فيه الزعيم الروحي للموحدين حكمت الهجري في كلمة مصورة، أكد وحدة صف مكونات شمال وشرق سوريا قائلا، «في زمن تتكاثر فيه التحديات نلتقي اليوم لنقول بصوت واحد، إن وحدة الموقف لمكونات شمال وشرق سوريا ليست مجرد اجتماع سياسي، بل هي نداء لضمير وطني واستجابة لصرخة شعب أنهكته الحروب والتهميش، نحن أبناء طائفة الموحدين نقف إلى جانب إخوتنا من الكرد والعرب والسريان والإيزيديين والتركمان والشركس، وباقي المكونات لنؤكد أن التنوع ليس تهديدا، بل هو كنز يعزز وحدتنا تحت شعار معا من أجل تنوع يعزز وحدتنا وشراكة تبني مستقبلنا»، هذا الموقف الداعي إلى استقلال ذاتي، أو فيدرالية ديمقراطية علمانية، لم تترجم على أرض الواقع، بتعزيز وحدة المكونات السورية ككل، ولا حتى وحدة كل مكون على حدة، فالانقسامات والمواجهات في صلب كل مكون من جهة، ومع الإدارة الجديدة من جهة أخرى، تفاقمت أكثر منذ انعقاد هذا المؤتمر.

فمنذ استقلال سوريا عن الاستعمار الفرنسي عام 1946 لم ير السوريون علم دولة الاحتلال المارقة يرفرف على أرض سوريا في محافظة السويداء، التي كانت تعتبر معقل الثوار السوريين بقيادة سلطان الأطرش ضد الاستعمار. ولم يكن من المتوقع أن يقوم فريق من الدروز السوريين بقيادة الزعيم الروحي للطائفة الدرزية حكمت الهجري بالمطالبة بالانفصال عن سوريا، والمناداة بدولة «جبل باشان» بالاتكاء على الدعم الإسرائيلي، الذي يصرح دون مواربة بدعمه للدروز في سوريا، ليس حماية للدروز في واقع الأمر، بل لاستكمال مخطط تفكيك سوريا كدولة موحدة قوية وذات سيادة على جميع أراضيها. كان هذا السلوك للهجري بالإعلان عن حركة انفصالية تحت حماية إسرائيلية، ولا يزال من المحرمات والمستحيلات السورية.

مشروع الهجري وقيام دولة باشان لا يروق لكل أفراد الطائفة الدرزية، وزعماء روحيون كالزعيم يوسف جربوع، وحمود الحناوي، والشيخ ليث البلعوس على سبيل المثال، خاصة أن الهجري شكّل ما يسمى «بالحرس الوطني» وهي ميليشيا مسلحة تضم فلولا من النظام البائد أيضا موالية للهجري وتحمي مشروعه بتصفية كل من يعارضه. وكان آخر اغتيال تشير أصابع الاتهام إليه بالقيام به هو تصفية الشاعر والناشط السياسي ورئيس بلدية بوسان أنور فوزات في 15 ديسمبر في قريته بوسان بريف السويداء، الأمر الذي زاد في التوتر الأمني الذي تعيشه المحافظة، منذ أن أدت اشتباكات بين العشائر العربية ودروز أودت بعشرات القتلى والجرحى. وقد نعى الشيخ ليث البلعوس فوزات واصفا أياه بـ»شهيد كلمة الحق»، وتوعد شقيق الفقيد بالثأر له، عائلة الشاعر أدانت الجريمة، وقالت: «إن عملية القتل الغادرة تتنافى مع القيم الدينية والإنسانية والأعراف الوطنية، وتشكل استهدافاً لأمن المجتمع ووحدته».

الإدارة الجديدة في دمشق تتخذ سياسة الصبر والتروي لتفادي استغلال أي تدخل مسلح لها لاستدعاء الحماية الخارجية، خاصة إسرائيل التي ستستغلها للتدخل «لحماية الدروز» كما تدعي

وجاءت عملية اغتيال الشاعر بعد نحو أسبوعين من مقتل الشيخين رائد المتني وماهر فلحوط تحت التعذيب، من قبل «الحرس الوطني». عمليات التعذيب والاغتيال هذه تذكر الأهالي بممارسات مخابرات وشبيحة النظام البائد، في ظل انعدام الأمن، وانتشار الميليشيات المسلحة. وكان حكمت الهجري قد ورث منصب الزعيم الروحي للطائفة الدرزية عن أخيه الأكبر أحمد الهجري، الذي قتل في حادث سير غامض عام 2012 مدبر من قبل النظام المخلوع حسب بعض المصادر، كونه كان معارضا له، لكن الأخ الأصغر حكمت أعلن ولاءه للنظام وحث الشباب الدروز على القتال للدفاع عن نظام الأسد خلال سنوات الثورة، في حين أن الشيخ وحيد البلعوس، والد ليث البلعوس المعارض كان يرفض تجنيد أبناء الطائفة لقتل المدنيين السوريين الثائرين، والذي قام النظام بتصفيته عام 2015، وكشفت وثائق المخابرات المسربة بأن الهجري كان يتلقى رواتب وأموالا من النظام، لكن بعد ثورة الكرامة التي انطلقت في جبل العرب عام 2023 تغير موقفه من النظام، وصار يتحدث باسم الدروز محتكرا لنفسه تمثيل الدروز، الأمر الذي دفع الزعيمين جربوع وحناوي بالابتعاد عن الهجري، وتفاقمت الخلافات بين الزعماء الثلاثة، إثر سقوط النظام واتخاذ الهجري موقفا عدائيا من النظام الجديد، والتوجه نحو دولة الاحتلال والاتصال مباشرة بزعيم الدروز الروحي في إسرائيل موفق طريف، الذي طالب بحماية دروز سوريا وحث رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو على التدخل عسكريا (قصفت دولة الاحتلال مبنى رئاسة الأركان في دمشق ومحيط القصر الجمهوري كإنذار للنظام الجديد، واشترطت أن تكون هناك منطقة منزوعة السلاح جنوب سوريا). وقد اندلعت مواجهات بين مسلحين دروز في مدينة جرمانا وأشرفية صحنايا بتحريض خارجي، وكذلك في السويداء وانتهت باتفاقات لوقف إطلاق النار مع زعماء دروز، لكن الهجري كان يرفض هذه الاتفاقات.

الإدارة الجديدة في دمشق تتخذ سياسة الصبر والتروي لتفادي استغلال أي تدخل مسلح لها لاستدعاء الحماية الخارجية، خاصة إسرائيل التي ستستغلها مباشرة للتدخل «لحماية الدروز» كما تدعي. وكان محافظ السويداء مصطفى البكور وجه مؤخرا نداء «للمشايخ وأهل الرأي والوقار» إلى رفع كلمة الحق، وصيانة دماء المواطنين وكرامتهم، وردع كل من تسول له نفسه العبث بأمن واستقرار محافظتنا، نستشعر جميعاً الواقع المؤلم الذي آلت إليه أوضاع المحافظة، فدماء الأبرياء تُزهق بسبب كلمة، أو موقف، وأموال الناس تُنهب بلا رادع، وفصائل خارجة على القانون تضيّق على المواطنين، وتتعمد استفزاز مؤسساتنا الأمنية بقصف حواجز الأمن العام وإطلاق النار، مما يزرع الرعب في قلوب الأبرياء». وهذا يمثل سياسة الحكومة السورية، التي دخلت أيضا في مفاوضات على مستوى رفيع مع دولة الاحتلال، من دون الوصول إلى أي اتفاق يمكن البناء عليه لوقف التدخلات الإسرائيلية في الشؤون السورية، والتوغل واحتلال الأراضي، رغم تدخل الولايات المتحدة وحثها على تقريب وجهات النظر بين الطرفين.

في ظل هذه الضبابية في الجنوب السوري، انتهى الهجري في أكتوبر الماضي لإعلان دولة «جبل باشان» (لاغيا تسمية جبل العرب التي أطلقها سلطان الأطرش على جبل الدروز، وباشان هي تسمية توراتية لمنطقة واسعة تشمل جبل الدروز حاليا ومناطق أخرى، وهي أيضا مسمى للعملية العسكرية لدولة الاحتلال على سوريا «سهم باشان»)، ككيان مستقل يمثّل المنطقة، مُشيرا إلى حصار إنساني شامل عليها، وانهيار خدمات، وتهديدات مستمرة للسكان، مع المطالبة بإعادة بناء مؤسساتها على أسس جديدة (حكم ذاتي/دولة)، وهو ما اعتبره الكثيرون تحدياً للسلطة المركزية، ولكل الدروز الرافضين لهذا المشروع. ووجه الهجري بيانا إلى «الأمين العام للأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، وجامعة الدول العربية»، بالإضافة إلى العديد من المنظمات والهيئات الأممية والدولية، قائلاً: «نتوجه إليكم بهذا النداء الإنساني العاجل، حاملين صوت ومعاناة شعبنا في جبل الباشان بكل ما يحتويه من أطياف، منذ شهور من حصار شامل وقاس يهدد حياة المدنيين»، في الوقت الذي لا تتوقف الإدارة الحالية في دمشق من إرسال شاحنات المساعدات دون انقطاع إلى مدن جبل العرب، بل طالب الأردن بفتح ممر «لدولته المحاصرة» من كل الجوانب، وممر دافيد الواصل إلى شمال سوريا. إلى الآن لم تتخذ الدولة السورية أي إجراء ردعي لهذه التجاوزات الخطيرة المهددة لوحدة سوريا وسيادتها، لكن أعمال القتل والتعذيب والترهيب، التي ينتهجها الحرس الوطني ورفض قطاع واسع لسياسة الهجري ومشاريعه التهديمية تبقي الجمر تحت الرماد في جبل العرب