الفتنة لعن الله من أوقدها

مظاهرة سورية
مظاهرة سورية

سقط نظام الطائفية البغيض الذي أسسه حافظ الأسد مع أنجاله بعد 54 سنة من الحكم الطائفي الديكتاتوري الوراثي الذي كان قد خطط له ليكون أبديا، كما كان يرفع شعار:"الأسد إلى الأبد". هذا النظام الذي قبلته ورحبت به بداية نسبة الأكثرية السنية في سوريا البالغة حوالي 80 بالمئة من السكان دون الأخذ بعين الاعتبار انتماءه الطائفي للطائفة العلوية، لأن العقلية السائدة متسامحة ومنفتحة وتعتمد بأن "الدين لله والوطن للجميع".

والأمثلة على تاريخ سوريا عديدة ومتنوعة وشاهدة على ذلك، فتاريخ سوريا لم يشهد أبدا اقتتالا طائفيا قام به سنة سوريا ضد أي طائفة أو عرقية، ولم تحتج على تسلم أي شخص من رئاسة الدولة من طائفة أخرى، فقد حكم سوريا رؤساء أكراد، ورئيس مصري، ورئيسان علويان، وخلال فترة الاستقلال الممتدة من العام 1946 ولغاية 1924 (78 سنة) حكم السنة لفترة 12 سنة فقط، وحكم الأكراد 6 سنوات، وحكم العلويون 58 سنة، وحكم الرئيس المصري 3 سنوات. وخلال فترة الحكم السني للبلاد لم تتعرض أي طائفة لأي عملية عنف أو اضطهاد، والمواجهة الوحيدة التي وقعت ضد الدروز كانت بعهد أديب الشيشكلي (كردي).

والمواجهة الثانية مع الدروز في إعدام سليم حاطوم قام بها عبد الكريم الجندي (إسماعيلي) بمكيدة من حافظ الأسد (علوي). وتجدر الإشارة إلى أن رؤساء وزراء سوريا كانوا من جميع الطوائف بل أن رئيس الوزراء فارس الخوري المسيحي تم تعيينه أيضا وزيرا للأوقاف الإسلامية بدعم من حزب الإخوان المسلمين نفسه. وقادة الجيش السوري كان منهم من جميع الطوائف كفهد الشاعر (درزي)، وحافظ الأسد (علوي)، فوزي سلو (كردي) النائب سعيد أسحاق رئيسا لمجلس النواب ورئيسا للجمهورية (مسيحي)، والأمثلة على ذلك كثيرة ولا تتسع لهذه الصفحة. وخلال فترة حكم السنة لم يقتل علوي واحد، ولا درزي واحد، ولا مسيحي واحد، ولا كردي واحد، ولا اسماعيلي واحد، بينما من أعدم الرئيس الكردي حسني الزعيم كردي آخر (فوزي سلو)، ومن سجن العلوي صلاح جديد مدى الحياة،

واغتال أسماء كثيرة من طائفته نفسها يصعب حصرها هو علوي آخر (حافظ الأسد). ويطول الحديث عن التصفيات الجسدية التي ارتكبت بين شخصيات مختلفة قام بها شخصيات من طوائف مختلفة تنتمي للأقليات العرقية والدينية. أما الأكثرية السنية فهي التي وقع عليها كل الظلم وخاصة في الحقبة الأسدية التي وظفت الطائفة العلوية لمصالحها، فتبوأت كل مناصب الجيش، والمخابرات، وتشكلت في عهدها كل فرق القمع والقتل من سرايا دفاع، وسرايا صراع، وجحافل الشبيحة، وفرق الموت، وارتكبت بحق السنة أبشع المجازر من مجزرة حماة وحلب إلى المجازر بالكيماوي والبراميل المتفجرة والقتل تحت التعذيب وسجون تدمر وصيدنايا وعدرا والمزة وكل أفرع المخابرات والمقابر الجماعية التي تضم رفات مئات الآلاف من أبناء السنة شاهدة على ذلك. ومع ذلك عندما سقط النظام البائد لم يقم السنة بعمليات انتقام من العلويين، أو الدروز، أو المسيحيين الذين كانوا موالين للنظام، بل على العكس قاموا بأسمى درجات التسامح والعفو، ويطرحون مشروع المصالحة الوطنية والمشاركة في كل نواحي الحياة السورية، فما يقوم به بعض العلويين من فتنة طائفية يرفضها حتى أبناء الطائفة الشرفاء والوطنيين، وما يفعله بعض أفراد الطائفة الدرزية بالتآمر مع العدو الصهيوني والتي يرفضها أيضا الدروز الشرفاء الوطنيون،

وما يقوم به الأكراد في شمال شرق سوريا من احتلال أراض سورية والمطالبة باستقلال ذاتي (هل يعقل أن تحتل فئة من الشعب السوري تبلغ نسبتها 2 بالمئة من السكان على 25 بالمئة من المساحة السورية و98 بالمئة من الشعب باقي المساحة ويطالبون بحكم ذاتي وينقضون كل الاتفاقات مع الحكومة المركزية؟). على الأخوة في الوطن من جميع الطوائف والعرقيات أن تعوا إلى مدى خطورة الانجرار إلى الاقتتال الطائفي والاستقواء بالعدو الصهيوني الذي يخطط لتقسيم سوريا واحتلال أراضيها، لأنهم سيكونون أول الخاسرين، وأي اقتتال طائفي سيجر تدخلات خارجية ليست في مصلحة سوريا والسوريين. لقد حاول النظام البائد أن يستقوي بقوى خارجية روسية وإيرانية وميليشيات طائفية ورغم ذلك سقط مع آخر رقة خريف. واليوم لا مفر من اللحمة الوطنية والتآلف السوري السوري، ومن ترتاده أحلام الماضي فإنها لن تتكرر، وعليه أن ينظر اليوم للواقع الجديد.