عندما أيقظ الدوق دولاروش فوكو الملك الفرنسي لويس السادس عشر باكرا، قال له الملك: ما الذي جاء بك هذا الصباح الباكر؟ أجاب: هناك تجمعات كبيرة من الشعب يطالبون بالخبر، قال: ها هي مظاهرات تمرد؟ أجاب لا يا جلالة الملك، إنها الثورة.
ثورات الشعوب دائما تفاجيء الطغاة في طمأنينتهم أن طغيانهم لا يقوى أحد على صده، وفي ليلة تفتقد القمر، يهوج الشعب ويموج ويسقط كل طاغية، ولأن الطغاة لا يتعلمون الدرس من التاريخ يستمرون في طغيانهم على مر الزمان والمكان، من نيرون روما، إلى إسوموزا في نيكاراغوا، وماركوس في الفليبين، ويانوكوفيتش في أوكرانيا، وبينوشيه في التشيلي، وسواهم كثيرون. وعندما انطلق الربيع العربي من تونس الخضراء وأسقط بن علي بعد حوالي ربع قرن من حكمه وفساد عائلته، خشيت أنظمة عربية من امتداد شرارة البوعزيزي إليها وبدأت بتحصين نفسها ولم يفدها نفعا فسقطت واحدا تلو الآخر، ما عدا نظام أعتى ديكتاتورية شهدها تاريخ البشرية في سوريا، فطاغية دمشق ككل الطغاة كان مطمئنا بأنه جيشه وأجهزة مخابراته، وشبيحته سيحمونه من كل شر عظيم، فمن أنتم؟ ولكن عندما استفحل الأمر وكادت الثورة السورية أن تبتلعه هرع يستنجد بإيران، ثم بروسيا، وكل شذاذ الآفاق، وبكل ما استطاع من قوة السلاح والبراميل المتفجرة دون جدوى، أمر جنرالاته: اضربوهم بالكيماوي. ولأول مرة في تاريخ الطغاة يضرب طاغية شعبه بالأسلحة الكيماوية. تقول منظمة «هيومن رايتس وتش» إن نظام بشار الأسد استخدم السلاح الكيماوي على نطاق واسع خلال النزاع الذي بدأ عام 2011. ووثقت المنظمة هجمات باستخدام ذخائر بدائية مملوءة بالكلور ملقاة من الجو. ومن الهجمات التي استخدم فيها السلاح الكيميائي والسام هجوم خان العسل بريف حلب عام 2012، حيث يُعتقد أن قوات النظام قامت وقتها للمرة الأولى بتجربة غاز الأعصاب على نطاق ضيق. وفي عام 2013 تم قصف الغوطة الشرقية بغاز السارين. وشهد العام نفسه ضربة في حمص بغاز (BZ) المسبب للارتباك والذهول والهلوسة. وعام 2014 استخدم غاز السارين في سراقب بريف إدلب، وبلدة كفر زيتا بريف حماة. وفي عام 2015 استخدم غاز الكلورين بريف إدلب. وفي عام 2016 استخدم غاز سام في ضرب مواقع للمعارضة في عربين بريف دمشق، وفي مدينة سراقب وحي الزيدية في حلب. وفي عام 2017 تم قصف خان شيخون بغاز السارين. وعام 2018 تم ضرب مدينة دوما بصواريخ يرجّح أنها تحوي غاز الكلور السام وأخرى تحوي غازاً يُعتقد أنه غاز السارين المحرم دولياً. وحذّر مندوب سوريا الدائم لدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، محمد كتوب، من وجود أكثر من مائة موقع يُشتبه بوجود مخلّفات سلاح كيماوي فيها، وتشكل خطراً مباشراً على حياة المدنيين في مناطق متفرقة من سوريا. وقال كتوب، في أول يوم من إعادة تفعيل عمل البعثة السورية لدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي، إن نظام بشار الأسد ظل يستخدم السلاح الكيماوي 12 عاما. رغم كل ذلك جاء يوم 8 كانون الأول/ ديسمبر2024 ليحزم الطاغية الكيماوي امتعته بعد أن نهب ثروات سورية ويهرب إلى موسكو. فنهاية كل طاغية حتمية وإن طال الزمن فقوة الشعب وإرادته كالمياه في ثغرة في سد لا بد وأن تفجره يوما. لكن الطغاة تلاميذ غير نجباء للتاريخ.