كم صدع الغرب رؤوس العالم بقيمه ومبادئه: الحرية، حقوق الانسان، حق الشعوب بتقرير مصيرها، حق اللجوء، العدالة الاجتماعية، المساواة، الديمقراطية، حرية التعبير..
كم من جيل صدق وتأثر بالحملات الإعلامية لتسويق هذه المباديء، وكم من الناس انبهروا بالمقولات البراقة، اللماعة وانجذبوا إليها كفراش تجذبه أضواء خلبية. هذه المباديء التي انبثقت مع الثورة الفرنسية، والبريطانية (ثورة كرومويل)، والأمريكية (ثورة الشاي)، توازت معها أكبر حملات استعمارية في تاريخ البشرية، فما أن اندلعت الثورة الفرنسية قام نابليون بونابرت بحملة استعمارية على مصر (1798)، وكان هدفها احتلال كل من مصر وسوريا الكبرى بشكل خاص، لكنه فشل أمام أسوار عكا، ثم توالت الحملات على الجزائر (1830) ثم تونس والمغرب (1881)، وليبيا (من قبل إيطاليا 1911) ثم المؤامرة الكبرى على الشرق الأوسط (الاتفاقية الفرنسية البريطانية سايكس بيكو) واحتلال سوريا وفلسطين والأردن ولبنان والعراق، وزرع عصابات الصهاينة في فلسطين لبناء دولة استعمارية توسعية على حساب شعوب المنطقة بأكملها، وخاصة الشعب الفلسطيني الذي يذوق الأمرين من سفك الدماء والتهجير والتدمير واحتلال أراضيه.. ولم تستطع هذه الشعوب العربية (وبالطبع الشعوب الأخرى في آسيا وإفريقيا الذين وقعوا تحت نير الاستعمار الأوربي بشكل عام والفرنسي البريطاني بشكل خاص). وقد دفعت الشعوب العربية ملايين الضحايا في ثورات التحرير من نير الاستعمار الذي نكل بهم تنكيلا. اليوم نحن أمام استعمار جديد صهيو ـ أمريكي يريد أن يسيطر على المنطقة العربية بأكملها ليحتل منها أكبر مساحة جغرافية لصالح إسرائيل الكبرى، واستغلال الثروات الهائلة فيها، وما يحصل في فلسطين اليوم أكان في غزة التي تباد، او الضفة الغربية التي تحتل ويخطط ضمها إلى دولة الاحتلال هو مثال صارخ لزيف مباديء الغرب الذي يقف مع الجلاد ضد الضحية، بل يسلح الجلاد ليستمر في جرائمه (وهذا على عكس مباديء الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون التي أطلقها في مؤتمر باريس بعد الحرب العالمية الأولى)، فما يحدث في غزة من إبادة جماعية، بالقصف والتجويع والتهجير أمام أعين العالم أجمع هو من صنع الغرب بأكمله الذي يتخلى عن كل مبادئه عندما يتعلق الأمر بدولة الاحتلال، وخاصة الولايات المتحدة التي أفرغت الأمم المتحدة من كل قوانينها واستأثرت بها بسلاح "الفيتو" الذي تشهره في كل مرة ضد قرارات تدين دولة الاحتلال في ممارساتها الوحشية ضد الفلسطينيين واعتداءاتها المتكررة على دول المنطقة وخاصة سوريا ولبنان. لقد اتضح لشعوب العالم أجمع اليوم الذي يناصرون القضية الفلسطينية أن الغرب قد خدعهم سابقا بحملاته الدعائية الكاذبة، وأن هذه الدولة التي صنعها هي دولة ترتكب إبادة جماعية بحق شعب آخر وتقتل أطفاله وتحرمهم من الغذاء، وتحتل أراضيه. فالكذب على الشعوب انكشفت حقيقته وبات من الصعب ترميم صورة الغرب المخادع.