غير عابىء بكل التصريحات والمواقف الصادرة عن الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة الامريكية وكذلك الاتحاد الأوروبي حول عدم شرعية أو مشروعية مثل هذه الخطوة، يمضي النظام السوري قدما في تنفيذ استحقاق "الانتخابات الرئاسية" السورية والتي من المفترض (دستوريا) أن تتم بتاريخ 26 \ 5 \ 2021 وفق ما أعلنه رئيس مجلس الشعب لدى افتتاحه دورة برلمانية استثنائية.
وكانت الأمم المتحدة قد صرحت عبر المتحدث باسم أمينها العام أنها (غير منخرطة في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في سوريا وأنها ليست جزءا من العملية السياسية التي ينص عليها القرار 2254 مؤكدا أهمية التوصل لحل وفق هذا القرار) (!!!).
هذا الموقف الهلامي من الأمم المتحدة لا يختلف كثيرا عن معظم قراراتها خاصة تلك المتعلقة بالملف السوري والتي عادة ما يتم التحايل على نصوصها وتدوير زواياها بطريقة تتيح لكل فريق من أطراف الصراع أن يقرأها ويفهمها بطريقته بشكل لايمكن فهمه وتأويله إلا بكونه عجزا فاضحا من قبل تلك المؤسسة الدولية عن وضع إطار نهائي وحازم لحل هذا الصراع الذي طال واستطال بلا طائل رغم كل مخرجات اللجان الأممية للتحقيق في مختلف أنواع الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها النظام السوري بحق شعبه والذي من شأنه – بالحد الأدنى – أن يفقد السلطة الحاكمة أية مشروعية دستورية لإدارة الدولة السورية.
بدورها عبرت الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك الاتحاد الأوروبي عن مواقف ربما تعكس لفظيا حنقا غربيا من لامبالاة النظام والسير في مسعاه لإعادة انتاج مايفترضه مشروعية دستورية تمنحه الأحقية في إدارة شؤون البلاد والمراهنة على عنصر الوقت ليتطبع المجتمع الدولي مجددا مع وجوده وديمومته مستثمرا بلادة المواقف وميوعتها تجاهه في ظل رضى إسرائيلي عن وجوده حاميا متمرسا لجبهة الجولان الخرساء منذ اتفاقية السلام الصامت المعقودة مع النظام منذ العام 1974 والمسماة اتفاقية فك الارتباط وهو يبقى في ظل كل ما حصل أفضل أسوأ الخيارات المتاحة أمامها.
وكان الاتحاد الأوروبي قد أعلن عدم اعترافه بهذه الانتخابات التي لا تتم وفق القرار الدولي 2254 وأنه سيجدد فرض العقوبات على دمشق وهو بذلك لايخرج عن المنحى العام الذي أعلنته الولايات المتحدة الامريكية في هذا السياق والذي عبر عنه المبعوث الأمريكي الخاص بالملف السوري جيمس جيفري من أن "تلك الانتخابات لن تحظى بأي مصداقية دولية تذكر وستقابل بالرفض التام من قبل المجتمع الدولي" (!) وأن إدارة الرئيس جو بايدن - وفق ما صدر عن نائب المندوب الأمريكي لدى الأمم المتحدة جيفري ديلورنتس – لن تعترف بنتائج الانتخابات في سوريا إذا لم يتم التصويت تحت إشراف الأمم المتحدة ويراعي وجهة نظر المجتمع السوري بأسره.
كل هذه التصريحات تفيد معنى الرفض الكامل لها ولنتائجها لكونها تتم خارج السياق الذي وضعه المجتمع الدولي للحل في سوريا والمتمثل بالقرار 2254 وبحق السوريين جميعا بمن فيهم اللاجئين والنازحين في المشاركة بانتخابات تتم بموجب دستور جديد وتحت إشراف الأمم المتحدة.
وبالتالي يمكن القول إنه إذا كانت تلك المواقف – رغم ديبلوماسية ولطف العبارات التي صيغت بها – جدية حقا وتهدف إلى وضع الملف السوري على سكة الحل فعلا فإن ذلك يرتب على متخذيها سياسات مختلفة تجاه النظام السوري الذي لم يعبأ بها ولا بما يفترض أن تترتب عنها إلا إن كان يعرف مسبقا أنها لن تكون أكثر من مواقف لفظية تعكس تبرما منه ومن سلوكه يمكنه استيعابه وامتصاص نتائجه.
فإذا كانت تلك الدول قد صرّحت أنها لن تعترف بالانتخابات ونتائجها، ولما كانت الأمم المتحدة أيضا قد عبرت عن أنها ليست منخرطة فيها وهي ليست جزءا من العملية السياسية التي تتم وفق القرار الدولي 2254، فإن ذلك يرتب عليها وعلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إعلان موقف صريح وعلني وحازم من أنها ولأن النظام السوري أدار ظهره للعملية السياسية ولم يلتزم بمضامينها وموجباتها واستمر في فرض وقائع وسياسات تجعل العملية السياسية برمتها في مهب الريح فإنها تعلن أنها تسحب اعترافها بسلطة نظام الأسد كممثل قانوني للدولة السورية مع ما يستتبع ذلك من إجراءات بطرد ممثل النظام من الأمم المتحدة وكذلك بطرد كافة سفرائه في الولايات المتحدة ومختلف دول الاتحاد الأوروبي واعتباره مجرد واحدة من قوى وأدوات الصراع الموجودة على الأرض لا أكثر.
أما خلاف ذلك فأعتقد أن كل تلك التصريحات تبقى مجرد "شيكات بلا رصيد" لايمكن صرفها في بورصة الصراع أو حتى التسوية السياسية، ولا تضيف شيئا لرصيد السوريين الذي امتلأ بيانات وتصريحات وإدانات للجرائم والانتهاكات دون أن يكون لها أثر بوقفها فضلا عن المساءلة عنها.
بكل أسف.. يدرك السوريون اليوم أن النظام سيجري انتخاباته وسيفرض على العالم مجددا التعامل معه كسلطة (شرعية) أنتجتها (إرادة السوريين) وسيستطيع تطويع إرادة حتى أصحاب تلك التصريحات لتتسوّل التعامل معه لأن الحل المتصور الذي صاغته الإرادة الدولية حلا متسولا هو الآخر لم يقترب قطّ من حافة التهديد الجدي للنظام بتقويض شرعيته المزعومة أو فرض موجبات الحل عليه بقوة القرارات الدولية التي نص بعضها على إمكانية اللجوء للفصل السابع ... وسيبقى السوريون – أمام هذا التعاطي الهزيل والهزلي مع قضيتهم – مشردون في منافيهم القسرية ومخيمات نزوحهم لزمن طويل بعد أن سلموا قيادة أمورهم كلها لقوى دولية وإقليمية عبثت بقضيتهم ومصيرهم إلى حد الفجيعة.