رحل عنا المناضل الكبير ميشيل كيلو، رحل قبل تحقيق الحلم الذي عمل من أجله طوال حياته: الحرية. هذه الكلمة التي كانت آخر كلمة يوصي بها السوريين بعدم التخلي عنها وهو على فراش الموت. الشعب لا يخطيء في تقدير من قدم خدمة حقيقية صادقة للوطن. فالتعزية به كانت على نطاق واسع حتى السفارة الأمريكية في دمشق نعته رغم أنف النظام الذي حرمه الحرية وطارده ورماه في السجون. سورية لا تنسى رجالها العظماء فهي خلدت عبد الرحمن الكواكبي، ويوسف العظمة، وسلطان الأطرش، وعز الدين القسام، وفارس الخوري، وشكري القوتلي، وهاشم الأتاسي، وناظم القدسي، وجول جمال، ونزار قباني، وعمر أبو ريشة..وسواهم ممن قاموا ببناء سورية، وقدم بعض روحه من أجلها. وكيلو من العظماء الذين لن ننسى نضاله ضد نظام الطغيان، والطائفية، والفساد، والسجون، والجرائم بحق الشعب السوري. كان بسيطا، متواضعا، نشأ في عائلة متوسطة الحال كمعظم السوريين، لكنه منذ نعومة آظفاره انخرط في العمل السياسي بهدف تخليص سورية من نظام الاستبداد وبناء دولة المؤسسات والديمقراطية. ككاتب وصحافي ساهم في الحركة الثقافية المضادة لثقافة البعت "التسطيحية" الرافضة للرأي الآخر، ولحرية الرأي والتعبير. كان من الأوائل الذين وقعوا إعلان ربيع دمشق، ومجموعة الألف، في بلاد اللجوء كان مساهما فعالا في محاولات عديدة لبناء جسم للمعارضة السورية عبر الإئتلاف الوطني وسواه. التقيت به لأول في لقاء جمع لفيفا من المفكري، المثقفين، والصحفيين، والفنانين المعارضين بدعوة من رجل الأعمال السوري يحيى القضماني، والفنان سميح شقير الذي أدار الجلسة. شارك في هذه الندوة على سبيل المثال لا الحصر: المفكر السوري الرحل صادق جلال العظم، والمفكر السوري برهان غليون، المفكر الفلسطيني سلامة كيلة، الكاتبة سمر يزبك، الاستاذ نادر الجبالي، الفنان عبد الحكيم قطيفان، الفنان جمال سليمان،..وآخرون، والفقيد الكبير ميشيل كيلو. تقدم الفقيد بمداخلة شدد فيها على وحدة السوريين، وبناء دولة المؤسسات، الضامنة للحريات، وتداول السلطة سلميا، وأكد أن لا خلاص من نظام الفساد، والإجرام، والطائفية، والتبعية، والطغيان، إلا بالنضال من أجل الحرية. وقال إن تجربتنا مع هذا النظام خلال نصف قرن تقريبا، تؤكد أن استراتيجيته ( التي لم يخفها) هو حكم سورية إلى الأبد حسب شعاره:" الأسد إلى الأبد"، وهذا يعني أنه يريد إخضاع الشعب السوري إلى هيمنة، وتسلطه، وفساده إلى الإبد، وهذا فيه تدمير للشعب السوري، وتهميشه، وقتل قدراته وإبداعاته، وتدجين فكره بما يتلاءم مع طروحاته. كانت محاضرة الفقيد من النوع الوازن الرازن. تعلمت منه في لقاءات آخرى، أن الحرية هي كل شيء في حياة الإنسان، وحياة الشعوب، وأنه لو لم يبق لي في العمر سوى ثلاث كلمات لقلت: الحرية، الحرية، الحرية