من نتائج الربيع العربي ظاهرة اللجوء الكثيف لملايين السوريين إلى أوربا، وتركيا، والبلدان المجاورة، وكذلك هجرات من جنسيات عربية أخرى.
وقد لاقت موجة الهجرات استنكارا كبيرا لدى بعض الدول الأوربية، ففي شهر شباط/فبراير 2020 كادت ألمانيا أن تشهد هجمة إرهابية مروعة من قبل عصابات اليمين المتطرف، لكن قوى الأمن حالت دون ذلك.
إذ كان من المقرر تنفيذ مخطط إرهابي يهدف إلى الهجوم على مجموعة من المساجد في وقت واحد من أجل زعزعة الاستقرار، وخلق الفوضى في المجتمع. وفقا لتقرير رئيس مكتب الشرطة الجنائية في ولاية بادن فورتمبيرغ، فإن الخلية الإرهابية اليمينية سعت إلى اقتناء أسلحة لاستخدامها في شن هجمات على المساجد، ومقرات اللاجئين.
في خطاب له غرب باريس، أعلن الرئيس الفرنسي عن سياساته ضد ما سمّاه "التشدد الإسلامي الذي يتخذ العنف منهجًا له"، طارحًا مشروع قانون ضد "الانفصال الشعوري" بهدف "مكافحة من يوظفون الدين للتشكيك في قيم الجمهورية" وأن "الإسلام يعيش اليوم أزمة في كل مكان بالعالم، وعلى فرنسا التصدي للانعزالية الإسلامية الساعية إلى إقامة نظام مواز وإنكار الجمهورية الفرنسية".
كما أثارت عدة حوادث ضد المسلمين في بريطانيا قلق الجالية المسلمة، وأعربت الجمعيات الاسلامية عن قلقها من وقوع هجمات مماثلة للهجوم الإرهابي على مسجدين في كرايست تشيرتش بنيوزلندا والذي أسفر عن مقتل 51 شخصا من المصلين، وإصابة العشرات. لا يختلف الأمر في بلجيكا، وكذلك في رومانيا، والدانمارك التي تنتهج حاليا سياسة ترحيل اللاجئين السوريين بحجة أن سوريا باتت آمنة هناك.
سؤال يطرح نفسه، موجة الإسلاموفوبيا، والسوري فوبيا هذه لماذا لم نشهدها في خمسينيات، وستينيات أو سبعينيات القرن الماضي عندما خرجت أوربا مدمرة من الحرب العالمية الثانية وسعت جاهدة لاستقدام مئات الآلاف من اليد العاملة بأجور رخيصة لإعادة البناء، وخاصة من شمال ووسط إفريقيا وجلهم من المسلمين؟ بل كانوا من المرحب بهم، وهم اليوم مواطنون فرنسيون، وألمان، وبريطانيون.. وتكاثروا وأنجبوا جيلا ثانيا، وثالثا من الفرنسيين، والألمان، والبريطانيين.. من أصل مغاربي وإفريقي وهم يساهمون مساهمة فعالة في عجلة الاقتصاد، ويدينون إدانة لا لبس فيها لأي عمل إرهابي يقوم به إرهابيون إسلاميون متطرفون في أي مكان، وأي زمان.
فالأزمة إذن ليست من اللاجئين أو المهاجرين، بل هي مشكلة متعددة الجذور والأسباب أهمها الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الدول الأوربية بشكل عام، والخشية من خلل في التوازن الديمغرافي حسب الانتماء "دينيا". وجاءت جائحة كوفيد – 19 لتزيد في الطين بلة، حتى بات ينظر لكل شخص من أصول أجنبية على أنه خطر كامن. ولا نستثني دولا أخرى استقبلت لاجئين سوريين من دول المحيط فهي لا تتوقف عن الشكوى والتذمر من وجود السوريين فوق أراضيها، ولا يخلو الأمر من اعتداءات جسدية، بل وجرائم قتل لبعض اللاجئين.
لقد تعامت الدول الأوربية عن كونها مشاركة في السبب الحقيقي في لجوء السوريين قسرا وقهرا إلى أوطان غير وطنهم، فدعم نظام ديكتاتوري من قبلها خلال نصف قرن يجثم فوق صدر السوريين هو السبب الحقيقي لمشكلة اللجوء، ودول الجوار نسيت أن السوريين في العام 1915 استقبلوا أكثر من 300 ألف أرمني شكلوا 10 بالمئة من السكان حينها، كما استقبلوا ملايين اللبنانيين والعراقيين في أوقات مختلفة بعد أزمات مرت ببلديهم معززين مكرمين دون شكوى، أو تذمر، ولم تنصب لهم الخيام في الجبال والقفار.