سيبقى العام 2024 ويوم الثامن من كانون الأول/ ديسمبر علامة فارقة في تاريخ سوريا، فهذا اليوم المشهود لم يكن يوما عاديا ككل الأيام التي مرت على الشعب السوري خلال 54 سنة من حكم النظام البائد، والتي كانت جميعها تحمل ذكريات أليمة، قاسية، مفجعة لمعظم العائلات السورية التي إما تشردت في زوايا الأرض الأربع، أو فقدت أبناءها، ودمرت منازلها. ليس يوما عاديا بعد أن تكشفت فيه جرائم النظام بأبشع صورها في سجونه سيئة الصيت، فهذا النظام الذي بنى وجوده، واستمراره على كم الأفواه بكل الطرق الوحشية، ولم يتوان عن ضرب السوريين بالأسلحة الكيماوية لقمع ثورتهم المجيدة، وجد نهايته يوم أحد وانتهى ، وإسقط شعاره "الأسد إلى الأبد". هذا النظام لعب على الوتر الطائفي وتفكيك لحمة الشعب السوري ليبقى متسلطا، وحاكما، ومستغلا، وفاسدا، وخائنا. لكن جاءه اليوم الذي لم يجد أمامه مخرجا سوى الهروب خلسة تحت جنح ليل ويترك خلفه كل هؤلاء الذين آمنوا به، واطمأنوا إلى بقائه "الأبدي"، لقد قال الشعب السوري كلمته، في جمعة النصر في ساحة الأمويين رغم كل المآسي، والآلام، والجراح: الثخينة: "واحد، واحد، واحد الشعب السوري واحد"، لقد أثبت هذا الشعب كم هو نبيل، كم هو متسامح مع أبنائه، كم هو حضاري، كم هو مقاوم، كم هو جبار..
لقد أعطت الثورة السورية درسا تاريخيا سيبقى في ذاكرة البشرية جمعاء، كإحدى أعظم ثورات الشعوب على الظلم والطغيان، الثورة السورية لم تكن ثورة خبز، بل هي ثورة حرية بامتياز، شعب يتطلع للحرية، للانعتاق والانطلاق، وهذا ما يجعل طغاة أخرين ترتعد أوصالهم من ارتداداتها، هؤلاء الطغاة الذين كانوا يمدون طاغية سورية بالأمصال التي تبقيه على قيد الحياة، وإطالة عمره، متغاضين، متعامين على كل جرائمه، ومخدراته، وفساده، وخياناته،، كان همهم ليبقى النظام ويذهب الشعب السوري إلى الجحيم. لقد خسروا رهاناتهم على الحصان الخاسر، أو بالاحرى على "الحمار الأعرج" لأنهم استخفوا بقدرات الشعب السوري وطموحاته، وآماله، ولم يعلموا أن هذا الشعب كطير العنقاء دائما ينبعث من رمادة. اليوم يستقبل السوريون عاما جديدا مشرقا، بسواعد بناءة، وفكر متقد، لبناء دولة سورية الديمقراطية، تضمن حرية العمل، والتفكير، والتعبير،و سيادة القانون ،وتشييد مؤسسات قوية، قادرة إلى إنهاضها من كبوتها، واخراجها من الكابوس الذي كبل قواها وحطم قدراتها، لتنطلق إلى معارج التقدم والحضارة، وهو على ذلك قدير.