قرب الحافة الشمالية للكرة الأرضية تتوضع دولة اسمها الدانمارك وهي من أرقى الدول في مختلف المجالات وشعبها الأكثر سعادة بين شعوب الأرض.
كتب الله على بعض السوريين أن تكون مقصدهم في رحلة تشردهم ولجوئهم فرارا من بلدهم وسلطتهم التي أمعنت في قتل شعبها وتهجيره، ولربما ما كان يراه بعضهم على أنه مزية أن يعيش في بلد كهذا البلد، فإنه مع الأسف تحول إلى نقمة وصار الحلم بهذا الوطن البديل مجرد سراب بعد أن اتخذت سلطات الهجرة الدانماركية قرارا باعتبار محافظتي دمشق وريفها مناطق آمنة وأن على اللاجئين إليها من تلك المحافظات العودة إلى بلدهم لانتفاء السبب لمنحهم اللجوء أو الحماية (!).
وبالفعل أنهت السلطات الدانماركية إقامات العديد من اللاجئين وأبلغتهم رفضها تجديد تلك الاقامات وأن عليهم المغادرة لموطنهم .. وربما من حسن طالع هؤلاء حاليا على الأقل أن ليس للدانمارك في الوقت الحالي تواصل أو علاقات مع النظام السوري مما يمنعها من ترحيلهم قسريا لدمشق .. ولكن إنهاء إقاماتهم يعني أنهم سيقيمون إلى أجل غير مسمى في مراكز الترحيل وهو اجراء غير انساني لأنه يعني ببساطة إقامة الأشخاص أو الأسر التي تمت إلغاء إقاماتها فيما يشبه معسكرات اعتقال مغلقة ولمدد زمنية ليست واضحة ولا معروفة الأفق فضلا عما قد يخلفه ذلك من تفكك عائلات وأسر ألغيت لبعضها إقاماتهم فيما أبقي على صلاحية وسريان إقامات البعض الآخر (!).
والسؤال هنا ما هو المعيار الذي اعتمدته الحكومة الدانماركية في اعتبار دمشق وريفها آمنتين ويمكن لمن جاء منهما لاجئا العودة إليهما؟.
هل توقف العمليات العسكرية بين أطراف الصراع في تلك المناطق وحده كاف للقول إنهما آمنتين، وهل مشكلة اللاجئين السوريين تقتصر على أنهم كانوا ضمن منطقة نزاع مسلح فحسب، أم أن مشكلتهم – أو مشكلة معظمهم على الأقل – هو في استمرار وجود سلطة تبطش بالمجتمع بلا تمييز وتعتقل الناس بلا سند قانوني وتخضعهم للتعذيب حتى الموت في أماكن اعتقالهم، وتحيل بعضهم لمحاكمات صورية بتهم ملفقة وتحكم عليهم بالإعدام دون أية ضمانات لمحاكمات عادلة يديرها قضاء مستقل، وتعتقل العائدين من اللاجئين وتصادر ممتلكاتهم.. والجميع يعرف كيف تم اعتقال الكثير من اللاجئين العائدين أو المرحلين من لبنان بمجرد أن وطأت أقدامهم أرض بلدهم الذي تفترضه الدانمارك آمنا. حتى أولئك الذين عقدوا التسويات الأمنية مع السلطة والتي تمت بضمانات روسية تم اعتقالهم وتصفية معظمهم وهذه كلها وقائع وأحداث موثقة ومنشورة ومتوفرة لمن يبحث عن الحقيقة.
قضية السوريين المعرضين للإبعاد من الدانمارك ليست خرقا فاضحا وانتهاكا فظا من الحكومة الدانماركية لمضامين الإعلان العالمي لحقوق الانسان واتفاقية حقوق اللاجئين فحسب بل هي قرار جدي بإعدام هؤلاء إذا ما تم ترحيلهم، وفي أحسن الأحوال قرارا بتدمير حيواتهم وتفكيك أسرهم إذا ما تم حشرهم في مراكز الترحيل التي تنتهك آدميتهم.. وهي قضية من الأهمية التي توجب على كافة المنظمات الحقوقية وخاصة تلك التي اتخذت من أوروبا مستقرا لها ولها فيها علاقات مهمة وفاعلة – بعد أن نفضنا أيدينا من الائتلاف - أن تجعل منها قضية ذات أولوية عالية في أجندتها فالأمر يتعلق ببشر قبلوا التشرد على حافة الأرض المتجلدة على أن يكونوا ضحايا في عدّاد أوقفت الأمم المتحدة عمله منذ سنوات عندما أثقل أعداد الضحايا في المقتلة السورية عبء العمل على إحصاء ضحاياها.