في قلب طهران، يواجه النظام الإيراني مجموعة من الخيارات الصعبة، حيث يضطر للاختيار بين الخيارات التي تزداد سوءًا. بينما تحاول الحكومات والمنظمات اتخاذ قرارات في ظل الظروف المتقلبة، تجد إيران نفسها اليوم أمام مأزق سياسي واقتصادي وعسكري معقد، حيث تتجاوز الضغوط العسكرية لتصل إلى تهديدات سياسية قد تكون وجودية للنظام نفسه.
تتزايد هذه التعقيدات يوماً بعد يوم. إذ شهدنا في الأشهر الأخيرة تصريحات قادة النظام وإعلامهم، التي تنبئ بتفاقم الوضع الذي يعصف بالدولة. أحد التحليلات المنشورة في صحيفة هممیهن بتاريخ 2 تشرين الثاني، أبرز حقيقة أن إيران الآن لم تعد قادرة على الاختيار بين «السيئ والأسوأ»، بل أصبحت أمام خيار بين «الأسوأ والأشد سوءاً»، وهو ما يعكس حالة الخوف والقلق التي تسود في أروقة النظام.
منذ فترة طويلة، تم استخدام مصطلحات مثل «المأزق»، «حالة الربط»، «المستنقع»، و«لا مجال للتقدم أو العودة» لوصف الوضع الراهن، وقد أصبح هذا التعبير جزءاً من الأدبيات الإعلامية للنظام. وقد تناولت صحيفة شرق في 10 أيلول، في مقال بعنوان «نحن في حالة الربط»، الواقع الذي يعيشه النظام، موضحةً أن هذا المأزق ليس نتيجة للعقوبات الأمريكية فقط، بل هو نتيجة لعوامل داخلية وخارجية تتعلق بسياسة النظام العدائية والمغامرة في المنطقة.
هذه السياسة التي اتبعها خامنئي بإشعال الحروب في مختلف المناطق كانت تهدف إلى الهروب من مأزق الداخل الإيراني، لكنها تحولت إلى أزمة أكبر، لتواجه إيران اليوم تحديات أكبر على الصعيدين العسكري والسياسي. ففيما كانت التقديرات الإيرانية عن قوتها العسكرية تستند إلى دعم الميليشيات في المنطقة، بدأ الوضع في التدهور عندما ظهرت الخلافات داخل الحلفاء الرئيسيين، مثل حزب الله، مما أدى إلى تصدع صورة القوة الإيرانية.
وإضافة إلى ذلك، يشير الخبراء إلى أن استراتيجيات النظام قد أسفرت عن أزمات داخلية أعمق. ففي حديثه يوم 24 تشرين الأول، أشار الملا “عالي” إلى تزايد الشعور بعدم الثقة داخل صفوف النظام بعد اغتيال هنية، حيث اتهم بعض قادة الحرس الثوري بالخيانة السياسية، مما جعل النظام يتخبط أكثر في اتخاذ قراراته.
الاعترافات الأخيرة من قبل منظري النظام حول ما يسمى بـ «المشكلة الوجودية» تشير إلى تحول كبير في كيفية تفكير القيادة الإيرانية. بينما كانت إيران توازن بين خيارات سيئة وأسوأ، فإن الأزمة الحالية قد تهدد وجود النظام بشكل أكبر مما كان متوقعاً، حيث أن تصعيد المواجهات قد يتجاوز الضغوط العسكرية ليصل إلى أبعاد سياسية قد تكون ضارة بمكانة إيران على الساحة الدولية.