التوترات الإقليمية وانعكاساتها على الداخل الإيراني: محاولات النظام لتفادي الحروب

قصف إسرائيلي سابق على رفح
قصف إسرائيلي سابق على رفح

النظام الإيراني يجد نفسه اليوم في مواجهة أزمة غير مسبوقة نتيجة التداعيات الحتمية للحروب التي ساهم في تأجيجها في المنطقة. مع وصول نيران الحروب إلى حدود إيران وتأثيراتها على الساحة الداخلية، ظهرت علامات اليأس والخوف بوضوح في خطاب قادة النظام، مع تزايد الشكوك حول قدرتهم على التعامل مع هذه التحديات.

تحولات إعلامية تكشف هشاشة الوضع

في محاولة لتدارك الموقف واحتواء التداعيات، انطلقت وسائل الإعلام الإيرانية في مناقشة مخاطر الحرب وتأثيراتها السلبية. على سبيل المثال، صحيفة "هم ميهن" في عددها الصادر بتاريخ 21 أكتوبر نشرت مقالاً يتناول أثر الحرب على الشعب، واصفةً الحرب بأنها "سم قاتل". واعتبرت أن هناك من يتبنى في إيران نظرية المقاومة لتبرير الحروب، لكن الضحايا الحقيقيين هم المواطنون الأبرياء الذين يدفعون الثمن الأكبر.

ورغم أن خامنئي ودائرته القريبة حاولوا مرارًا إضفاء طابع شرعي على هذه الصراعات من خلال تصويرها على أنها ضرورة للدفاع عن النظام والقيم الإسلامية، فقد ظهر تناقض واضح في موقف الإعلام الرسمي هذه المرة. فمقال "هم ميهن" أشار إلى أن ما يروج له القادة السياسيون في الغرف المغلقة لا يتناسب مع الواقع على الأرض، حيث تزداد التضحيات والخسائر وسط المواطنين.

إشارات اليأس والخوف في تصريحات قادة النظام

مقال آخر في صحيفة "جمهوري إسلامي" الرسمية في 20 أكتوبر كان أكثر وضوحًا في انتقاده للنزعة الحربية التي تروج لها القيادة الإيرانية. أشارت الصحيفة إلى أن "الترويج للحرب باعتبارها شجاعة هو مفهوم خطير"، واعتبرت أن الجهود الرامية إلى تحقيق السلام ومنع الحروب تتطلب شجاعة أكبر. هذه التصريحات تعكس الخوف من أن الانخراط في الحروب قد يؤدي إلى تداعيات كارثية على البلاد.

حتى الشخصيات الرسمية، التي عادةً ما تكون صوتًا للنظام في تأكيد صواب سياساته الخارجية، بدت مترددة في الدفاع عن القرارات الحربية. على سبيل المثال، علي لاريجاني، رئيس البرلمان السابق والمستشار الحالي لخامنئي، حاول الدفاع عن دعم إيران للمقاومة في المنطقة لكنه اعترف بأن هذا الدعم جاء على حساب العلاقات مع إسرائيل، وهو ما أثار استياء العديد من الإيرانيين.

وفي هذا السياق، قال حسين شريعتمداري، ممثل خامنئي في صحيفة "كيهان"، إن "إيران تدفع ثمن أمنها"، مبررًا الانخراط في الصراعات الخارجية بأنها خطوة ضرورية لحماية النظام.

خوف النظام من الانتفاضة الداخلية

من الواضح أن هذه التبريرات لا تكفي لتهدئة المخاوف المتزايدة داخل إيران. النظام يجد نفسه الآن في موقف معقد: فهو بحاجة إلى إشعال الحروب خارج حدوده للتغطية على الاضطرابات الداخلية، ولكنه يدرك أيضًا أن هذا الأمر يزيد من احتمالية انتفاضة شعبية داخلية، خاصة في ظل تصاعد الاستياء من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

الخبير الحكومي الذي كتب مقالاً بعنوان "تراجع القوة الوطنية" في صحيفة "ستاره صبح" بتاريخ 19 أكتوبر، حذر من أن السياسة الإقليمية التي يتبناها النظام قد أدت إلى ضعف مكانة إيران على الساحة الدولية. وأشار إلى أن الحروب المستمرة في غزة ولبنان تهدد بامتداد نطاقها إلى داخل إيران، ما يزيد من احتمالية وقوع كارثة استراتيجية.

خلاصة

النظام الإيراني يجد نفسه عالقًا في مأزق، حيث يدرك أن الحروب الخارجية قد توفر له مساحة مؤقتة للتنفس بعيدًا عن التحديات الداخلية، لكنها في الوقت نفسه تزيد من مخاطر الانتفاضة الشعبية. ومع تصاعد الانتقادات داخل وسائل الإعلام الإيرانية وتزايد الشعور باليأس بين المواطنين، يبدو أن النظام في حاجة إلى مراجعة سياساته بشكل جذري لتفادي المزيد من الكوارث.