الصين: وجهة جديدة لدول العالم تقلق الغرب المتأزم

يوما بعد يوم تسجل الصين نقاطا في الدبلوماسية ضد الغرب بأكمله، وخاصة الولايات المتحدة، فسياسة الصين الهادئة، تتقدم دون ضجيج بدبلوماسيتها الجديدة في استقطاب أكبر عدد من الدول العربية والإفريقية والآسيوية وبناء شراكات اقتصادية وسياسية معها.

قلق العالم الغربي

ومن المؤكد أن القلق يساور العالم الغربي بأكمله، وخاصة أمريكا، والدول الاستعمارية السابقة (فرنسا، بريطانيا، إيطاليا، بلجيكا)، ففي يوم الخميس الماضي توجهت 50 دولة إفريقية نحو الصين لعقد قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي، (وكانت روسيا قد عقدت مؤتمرا مماثلا في العام 2019 حضره 54 دولة افريقية) وسبقه مؤتمر التعاون العربي الصيني في 30 أيار/ مايو الماضي الذي حضره عدد كبير من الزعماء العرب. كما أن مؤتمر المصالحة الفلسطيني ـ الفلسطيني تم عقده في الصين في شهر تموز/ يوليو الماضي، حيث عملت بكين على تقريب وجهات النظر بين الفصائل وخرجت ببيان مشترك يؤكد ضرورة اللحمة الفلسطينية، كما أن تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران كان قد تم بمبادرة صينية في آذار/ مارس 2023 إذ نجحت الصين في إعادة سفراء الدولتين إلى سفارتيهما في طهران والرياض.

المؤتمر الصيني الافريقي

ومؤخرا، وعلى هامش المؤتمر الصيني الافريقي تم اللقاء بين الرئيس الصيني تشي جاوبينغ، ورئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان الذي أشار إلى مواقف الصين الداعمة للسودان في المحافل الدولية.

وقال البرهان إن السودان يتطلع للعمل سوياً مع الصين من أجل بناء شراكة استراتيجية تعود بالفائدة لشعبي البلدين، ونوه للاستثمارات الاقتصادية الضخمة للصين في السودان، مشيراً لإسهاماتها في استخراج البترول السوداني وقيام مشروعات البنية التحتية، وجدد البرهان التزام السودان بتسهيل عمليات الاستثمار الصينية، مبيناً أن اللجان المشتركة بين البلدين ستعكف على معالجة العقبات بصورة مرضية، وللصين علاقات متينة مع النظام السوري الذي تدافع عنه باستمرار في مجلس الأمن.

هذه الخطوات المتتابعة والراسخة تجعل من الصين لاعبا أساسيا على المستوى الدولي، خاصة وأنها عضو فاعل في البريكس الذي يضم إلى جانب الصين، روسيا، وجنوب افريقيا، والهند، والبرازيل، وانضمت إليه دول عربية (السعودية، الإمارات، مصر، والجزائر تحصل على تفويض للانضمام لبنك البريكس) بالإضافة إلى إثيوبيا، وإيران.

طلب تركيا

والملفت هو نية تركيا تقديم طلب انضمام” للبريكس” بنظرة استراتيجية بعيدة تبعد تركيا رويدا عن العالم الغربي، وهذه الخطوة ستكون بمثابة ضربة كبيرة لحلف شمال الأطلسي، فأوروبا ومنذ عقود طويلة استهانت بتركيا التي طلبت عضوية الاتحاد الأوروبي وتم رفضها عدة مرات.

واعتبرت تركيا أن هذا الرفض هو كون تركيا دولة مسلمة، واعتبرتها إهانة لمكانتها في صلب حلف شمال الأطلسي، ونكران ما قدمته للحلف خلال فترة الاتحاد السوفييتي.

وينصب اهتمام الصين بشكل خاص على القارة السمراء. فبعد طرد فرنسا مالي والغابون والنيجر تتواصل الضربات الموجهة للمصالح الفرنسية في القارة الافريقية، لصالح التمدد الصيني الروسي.

فخلال ثلاث سنوات فقط، تغيرت الأنظمة الحاكمة في تسع دول في وسط وغرب القارة السمراء وجميعها تعيد حساباتها مع المستعمر القديم، ست منها كانت مستعمرات فرنسية (مالي، وغينيا، وبوركينا فاسو، وتشاد، والنيجر، والغابون) والتي تعتبر خسارة كبيرة لحلفاء لها في افريقيا، وخاصة الغابون الغنية بالنفط الذي كانت تستغله فرنسا خلال حكم عائلة عمر بونغو. ثم النيجر التي كانت توفر لفرنسا مخزونا كبيرا من اليورانيوم (35 في المئة من احتياجاتها) الذي كان يؤمنه لها حليفها محمد بازوم كما أنها غنية بالنفط والذهب.

ويشعر الأفارقة بالفارق الكبير في العلاقات مع الغرب بشكل عام، والصين. إذ تعهد الرئيس الصيني شي جين بينغ، بزيادة دعم الصين للقارة الافريقية الأسرع نموا في العالم بتمويل يبلغ نحو 51 مليار دولار، ودعم المزيد من مبادرات البنية الأساسية وتعهد بخلق ما لا يقل عن مليون فرصة عمل.

وقال شي في كلمته بقمة منتدى التعاون الصيني الافريقي لوفود أكثر من 50 دولة افريقية، إن ثاني أكبر اقتصاد في العالم، سينفذ 30 مشروعا للبنية التحتية الأساسية في أنحاء القارة الغنية بالموارد، وسيقدم مساعدات مالية بقيمة 360 مليار يوان 50.70 مليار دولار) ودعا إلى “شبكة بين الصين وافريقيا” تتضمن روابط برية وبحرية وتطويرا منسقا. (وكانت روسيا قد وعدت الدول الإفريقية بإرسال 50 ألف طن من القمح مجانا للدول الأكثر احتياجا)

ثروات العالم

لم تفهم هذه الدول الاستعمارية التي نهبت كل ثروات العالم في آسيا وافريقيا وأمريكا الجنوبية أنه سيأتي يوم وتستيقظ هذه الدول المستعمَرة لتأخذ بناصية مستقبلها ومستقبل أجيالها، ولم تفهم هذه الدول المستعمِرة أن هجرة ملايين الأفارقة إلى أوروبا لا تحل بتوكيل بعض دول شمال افريقيا أن تلعب دور السد المنيع لمنع الهجرة مقابل حفنة دولارات، لأن سبب الهجرة الأول هو افتقار هذه الدول لإمكانيات إيجاد مواطن عمل لهذا الجيل الصاعد الذي لم يجد أمامه سوى التطلع للهجرة إلى أوروبا التي تمثل بالنسبة له الإلدورادو الموعود.

ولم تكلف الدول الأوروبية التي لها علاقات تاريخية مع الدول الافريقية نفسها بوضع مشروع تنمية، ومساعدات لهذه الدول، وتمكينها من بناء بنية تحتية تساعدها في تطوير اقتصادها ونموها بما يعود بالفائدة على شعوبها، لكن وخلال كل الفترة الاستعمارية كانت الدول الغربية تعامل هذه الدول كبقرة حلوب، والافارقة كعبيد، وامتصت جميع خيراتها بأرخص الأثمان، وحتى بعد نيل هذه الدول استقلالها بقيت الدول الأوروبية تستغلها اقتصاديا بشكل فاضح، خاصة وأن النخب الإفريقية الحاكمة كان ينخرها الفساد، وأبقت على الشعوب بفقر مدقع.

هجرة الشباب

وهذا ما دفع ملايين الشباب للهجرة التي تقض الآن مضاجع أوروبا.

لقد فهمت الصين أن صداقة الدول، والشعوب لا تأتي إلا عبر التنمية المستدامة كي تتمكن هذه الدول من بناء اقتصاد قوي بما يعود بالنفع عليها وعلى من ساعدها، فمع نمو الاقتصاد المتعثر، وزيادة إمكانياتها المالية، وبناء بنيتها التحتية ستحفظ للدولة التي ساعدتها جميل صنعها وتوثق علاقاتها معها، لم تفهم الدول المستعمِرة هذه القاعدة التي تسير عليها الصين، لأن جل همها كان نهب أكبر قدر من ثروات البلاد الغنية بالمواد الأولية، والزراعية التي كانت تصدر بأرخص الأثمان. ولكن لا ينفع الندم بعد فوات الأوان، فالصين عرفت كيف تتعامل مع الشعوب المغلوب على أمرها.

ودخلت القارة السمراء من أوسع أبوابها التي خرج منها المستعمر القديم، وتتبعها روسيا التي هي على المنهاج نفسه ولكن بإضافة الوجود العسكري عبر قوات فاغنر.

كاتب سوري