بحزن وإكبار لهذا الصحافي الكبير واستاذي الذي لا أنساه، تلقيت نبأ رحيل بلال الحسن. لم يكن بلال صحافيا وكاتبا عاديا، ومن يعرفه عن قرب يلمس فيه دماثة الخلق، وروحه المرحة، والابتسامة التي لا تفارق شفاه. قابلته أول مرة في باريس حيث قام الناقد الكبير بدر الدين عرودكي بتقديمي له بعد أن أصدر مجلة اليوم السابع في باريس، وكنت أحبو في بداياتي في مهنة الصحافة في ثمانينيات القرن الماضي، كان لي الشرف العظيم بمعرفته وبإعطائي فرصة ذهبية للكتابة في المجلة التي تعرفت من خلالها على الصحافي التونسي الكبير صالح بشير، ورئيس تحرير المجلة جوزيف سماحة رحمهما الله، كما تمرست على الكتابة بقراءاتي لكبار الكتاب الذين شاركوا في تحرير هذه المجلة (جوزيف سماحة، ومحمود درويش، وإميل حبيبي، وسميح القاسم، وشاكر مصطفى، حسن حنفي، محمد عابد الجابري، طارق البشري، صلاح محمد ابراهيم، أنور عبد الملك، برهان غليون، محمد الباهي، صالح بشير وآخرون). كان بلال أستاذا كبيرا يسدي النصائح دون تجريح، ويغدق بالشرح والمعلومة كأنه أستاذ في مدرسة. فعلاوة على كونه صحافيا نادرا، كان ابن حيفا كاتبا ومناضلا مرا لقضيته الفلسطينية مع إخوته خالد وهاني وعلي الذين عرفوا بنضالهم للقضية ، ولد بلال الحسن في العام 1939 في حيفا، وعاش متنقلاً في الشتات بين عواصم عديدة، منها بيروت، ودمشق، وتونس، والرباط. كان عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الأسبق، عضو المجلس الوطني الفلسطيني، ويُعتبر من جيل الصحافيين الذين أسسوا الصحافة العربية. إذ كان من مؤسسي جريدة “السفير” اللبنانية عام 1974 مع الصحافي الراحل طلال سلمان، وعندما أنهى دراسته الجامعية، كتب في جريدة “المحرر” التي كان يرأس تحريرها الروائي الشهيد غسان كنفاني. وكتب في مجلة “الحرية” التي كانت تصدرها حركة القوميين العرب من بيروت، وكان يديرها السياسي محسن ابراهيم.
بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان العام 1982، اضطر لمغادرة بيروت والاستقرار في دمشق، ومنها انتقل إلى تونس ثم باريس ليصبح رئيسا لتحرير صحيفة “اليوم السابع”، في العام 1991 عمل الحسن في صحيفة “الحياة” في لندن، ثم أصبح كاتباً في صحيفة “الشرق الأوسط”، قبل أن يباغته المرض فتوقف عن الكتابة والنشاط السياسي واستقر في الرباط وباريس إلى أن توفي يوم الخميس 8/8/24 ومن مؤلفاته “قراءات في المشهد الفلسطيني: عن عرفات وأوسلو وحق العودة”، “ثقافة الاستسلام” و”الخداع الإسرائيلي رؤية فلسطينية لمفاوضات كامب ديفيد وتوابعها”. نعاه كتاب وصحافيون عرب واكبوا مسيرته الطويلة في مهنة المتاعب
كان بلال ناقدا لاتفاق أوسلو مع أنه وإخوته كانوا من مؤسسي حركة فتح وأعضاء في المجلس الوطني، ولكن هذا لم يثنيه عن نقد اتفاق لم يقدم للقضية الفلسطينية ما كانت تصبو إليه من تحرير أراضي فلسطين وبناء الدولة المنشودة. رحم الله بلال الحسن فقيد آخر للقضية الفلسطينية، ولصاحبة الجلالة.