عندما قدمت إلى فرنسا قبل أكثر من ثماني سنوات، كانت تواجهني مشكلة كبيرة في التعريف بسوريا وقضيتها .. فالكثير من الفرنسيين وبالذات الشباب منهم، لم يسمع بها من قبل، ومن سمع بها يعتقد انها بالقرب من الصين أو كوريا الشمالية .. أما من هم أكبر سنا، فهم يسمعون بسوريا لكن الكثير منهم يعتقد أنها دولة غير عربية، وبعضهم يصعب عليه تحديد موقعها على الخريطة، اللهم إلا إذا قلت له أنها بالقرب من إسرائيل أو لبنان..!! اليوم اختلفت الصورة، فما إن تقول لمحدثك الفرنسي أنك من سوريا، حتى يبدأ بتفحصك بإمعان، وكأنك أحد أولئك القادمين للتو من رحلة غير شرعية عبر اليونان إلى المجر وصولا إلى فرنسا.
مؤلم جدا أن تتحول صورتك في نظر الآخرين، من مناضل وصاحب موقف وقضية، إلى حالة إنسانية تستحق الرثاء والشفقة .. مؤلم جدا أن يتحول هذا السوري البطل الذي ثار على أعتى الأنظمة الديكتاتورية في العالم وقدم كل هذه التضحيات، إلى شخص مسكين مجبر على الإنصات لمن يلملمون كلمات التعاطف والتأسف، بينما وجوههم لا تقولها.
ألا يجب أن يستوقفنا هذا الاهتمام العالمي بقضية اللاجئين السوريين، ومنحهم كل التسهيلات لتحويلهم إلى مهاجرين دائمين، وتذويبهم داخل المجتمعات التي وفدوا إليها...؟! ألا يجب أن تستوقفنا مواقف الدول الكبرى التي وضعت خططا لاستقبال سوريين لخمس وعشر سنوات قادمات...؟! هل يعني ذلك أنه قضي الأمر وحكموا على بلدنا بالموت والتلاشي...؟
أريد أن أخبركم شيئا، أغلب السوريين الذين قدموا إلى أوروبا يعانون من الضجر والقهر، لكن الأمر بالتأكيد لا ينطبق على أولادهم ... لذلك أمامنا تحد كبير، كيف نجعل من أولادنا سوريين..؟ لأن هذه المجتمعات قادرة على صهر الوافدين إليها، نظرا لكون الحياة فيها والفرص الممنوحة للفرد والعائلة تجعله يؤجل كثيرا فكرة الوطن والبلد ... وكم من سوريين التقيت بهم في أوروبا، أخبروني أنهم قدموا على أساس لفترة مؤقته، لكنهم نسوا أنفسهم وهاهم يمضون فيها عقدهم الثالث.
الحل برأيي هو أن تنتهي المأساة السورية بأسرع وقت، وأن لا تفرحنا كثيرا تلك المواقف التي تسعى لتوطين اللاجئ السوري في الدول الغربية .. بل يجب أن نكون في هذه البلاد لاجئين لا مهاجرين .. حتى لو أزعجتنا التسمية، لكنها الأفضل لمستقبل سوريا، إذا كانت لا تزال تعنينا..؟