اعتاد الإعلام السوري في جميع وسائله، أن يتضمن يوميا، خبرا أو مقالا يتحدث عن "الضرب بيد من حديد"، متبوعا بعبارة، "لكل من تسول له نفسه"، ثم تختار الصحيفة الموضوع، فهو تارة "المساس بأمن الوطن والمواطن"، وتارة أخرى "التلاعب بسعر الصرف"، وأحيانا "رفع سعر سندويشة الفلافل" .. المهم أن هذه الجملة لا بد يقرأها السوري أو يشاهدها على شاشة التلفاز بشكل شبه يومي، وذلك وفقا لقواعد الدولة الأمنية التي بناها حافظ الأسد، والتي أصبحت هذه العبارة جزءا من هيبة المسؤولين في الحزب والحكومة.
حتى أن تراتبية المسؤولين وأهمية أحدهم على الآخر، كانت تأتي بناء على إمكانية استخدامه لهذه العبارة .. فالوزير الذي لا يوجد في وزارته ما يستحق الدعوة لضرب بيد من حديد، يختلف في المكانة والأهمية، عن الوزير الذي تمتلك وزارته كل أدوات الضرب .. وفي العموم، كانت لغة الضرب، مصطلحا يهدف إلى إرهاب المواطن العادي بالدرجة الأولى، وعصا مسلطة على رقاب الجميع، وقت الحاجة.
مؤخرا، انقلبت الآية، وأصبحت الناس هي من تطالب الدولة بالضرب بيد من حديد، في أعقاب فلتان الأسعار في الأسواق، وانهيار سعر صرف الليرة، وانتشار الفساد على نطاق واسع، وبالذات بين المحسوبين على أجهزة مخابرات النظام.
إلا أن الحكومة، ومنذ أكثر من شهرين، صامتة حيال ما يجري في الأسواق، بالإضافة إلى أنه، وبحسب ما كتب العديد من الإعلاميين العاملين في وسائل إعلام النظام، فإن المسؤولين يتهربون صراحة من الخروج على الإعلام، لأن ليس لديهم ما يقولونه، كما أنهم استنزفوا كل التصريحات التي تتحدث عن غد أفضل، لأن أي شيء منها لم يتحقق، لذلك لم يعد السوريون يصدقونهم، حتى لو "بلعوا ورق المصحف".
إزاء هذا الوضع، كتب أحد الإعلاميين في صحف النظام، على صفحته الشخصية في "فيسبوك"، ساخرا من عبارة الضرب بيد من حديد، التي كانت ولفترة قريبة، أداة ضبط للأسواق، وكيف أنها لعبت دورا في السيطرة على سعر الصرف في مرحلة ما، بينما الآن أصبحت مثيرة للضحك..
ويقول هذا الصحفي، إنه قال منذ أيام لأحد المسؤولين، بأنه لا بد أن تضرب الدولة بيد من حديد، كل الفاسدين الكبار، الذين تعرفهم عن قرب من أجل إنقاذ الوضع المزري، فما كان من هذا المسؤول، إلا أن غشي من الضحك، حتى بانت نواجذه، بحسب وصفه.
يشير الوضع السابق، إلى أن النظام بدأ يفقد أبرز سلطاته التي حكم بها سوريا بالحديد والنار، وهي الأجهزة الأمنية وسطوتها، التي ترفض أن يقترب الضرب بيد من حديد أي من رجالاتها ودوائر منفعتها، إذ أن هذه الأجهزة باتت اليوم نظاما آخر، يختلف بالأهداف والتوجهات والتحركات، عن النظام الذي يقوده بشار الأسد .. أي بمعنى آخر، دولة داخل الدولة، لكن لا أحد يستبشر بوقوع خلاف بينهما، لأن ما يربطهما أكبر بكثير مما يفرقهما، سيما وأن ضحيتهما هو الشعب السوري، الذي هو آخر ما يثير اهتمامهما.