عاد الزمن بي إلى عام 2011 و لحظات سقوط نظامي زين العابدين في تونس وحسني مبارك في مصر، وصورة الخبر العاجل الذي كُتب بالخط العريض على شاشة الجزيرة "عمر سليمان يعلن تنحي مبارك عن منصب الرئيس" وظهور مراسلتهم بعدها وسط ساحة التحرير وهي تبكي فرحا، هذه اللحظات ربما لا تنسى.
حالي كحال أغلب السوريين، كنا نسترق لحظات الفرح بعيداً عن أعين القريب والبعيد في نفس الوقت، لحظات نستمع بها إلى الاذاعات، لنكون على مقربة من المشهد هناك في سوريا، وأغلب الأحداث كنا نسمعها من إذاعة مونتيكارلو، لم يفاجئني خبر قسوة أجهزة الأمن السورية، إلا أن خبر اعتقال الأطفال في مدينة درعا لم استطع إلى الآن نسيانه، كان الخبر عبارة عن تسع كلمات، على الشكل التالي: "أجهزة الأمن السورية تعتقل مجموعة من الأطفال في درعا"، بعدها بلحظات التقيت بصديقي المتواجد معي في مدينة دبي واستشهد لاحقا خلال تغطيته لأحداث الثورة والمعارك ضد النظام"، نظر إلي وصرخ قائلاً: "صارت ثورة ولعت أهلنا ما رح يسكتوا على الظلم واعتقال الأطفال.
مضت الأيام مسرعة، لنصل إلى يوم الـ18 آذار (مارس)، في جلسة كان فيها شاب قادم من القاهرة عاصمة الدولة المصرية ورمز للثورة حينها، كان الفرح بخروج الأهل ضد الظلم ليس له مثيل، كمن لديه مولوداً جديداً بعد عقم لعشرات السنوات، همس ابن درعا بأذن أبن القاهرة قائلاً: "مش بس بمصر في ثورة صارت عدنا ثورة كمان" بادره الشاب المصري وقال له أجدع ناس أهل درعا، وبهذه الجملة تمضي مسرعة كل هذه السنوات، سارقة منا كل شيء جميل ربما، فلم نعد الشباب المتحمس حتى مدننا لم تعد كسابق عهدها، فهي إما مدمرة أو مهجر أهلها أو محتلة!.
في عام 2021 وخلال هذه الأيام يعود الجدل حول تاريخ الثورة ليقول البعض إن الحراك لم يكن ابتداءً من 18 آذار (مارس)، وأن صرخات الحرية سمعت قبله بعدة أيام، ولكن لحظة تعالوا نفكر قليلا ما الذي حصل قبل هذا التاريخ وما هي الصرخات الشجاعة التي ارتفعت، نعود قليل وننتقل لمشهد خبر سقوط حسني مبارك في مصر، حتى يرن جهاز هاتف الدكتورة "دانا جوابرة" الفرحة بسقوط أو تنحي حسني مبارك تحت اشتداد المظاهرات، التي قالت: "اجاك الدور يا دكتور"، أليست هذه صرخة وطنية تعبر عن كل السوريين يومها!، لا تتوقف الصرخات الجريئة ليلحقها سخط الأهالي على حادثة اعتقال ابنتهم، وربما أحد أفراد استرها كان طفلا وتحدث أمام أصحابه أنهم يعتقلون دانا وعن أسباب الاعتقال، لتستيقظ المدينة في اليوم التالي على مشاهد لعبارات باتت الحسكة في صدر النظام" إجاك الدور يا دكتور" وكما هو متوقع ستكون ردة فعل الأمن بالبحث و اعتقال من كتب هذه العبارات.
للمصادفة من كتب على جدران المدارس في إحدى أحياء درعا البلد هم أطفال، وربما الكل يعرف القصة التي حدثت خلال مطالبة الأهالي بالإفراج عن أطفالهم، ليجتمع ذوي الأطفال مقررين أن شعرة معاوية مع النظام قد قطعت، ليكون يوم الجمعة 18 أذار (مارس) جاءت صرخة أخرى للمطالبة بالحرية ولكل الشعب السوري هذه المرة، ومنذ ذلك التاريخ بات هو تاريخ الثورة المفصلي تاريخ شاركت به كل مكونات الشعب السوري، فكما يقول الكثير من المفكرين أن الثورة الشعبية يجب أن تضم كل مكونات الشعب ولا تقتصر على طيف واحد، أي أن يخرج الطبيب بجوار الفلاح و المهندس بجوار الجزار وطالب الجامعة بجوار المحامي والمسلم بجوار المسيحي وهو ما تحقق بشكل كامل في تاريخ 18 أذار، خرج معظم أهالي المدينة وناصرهم فيما بعد مدن سورية تباعا، فلا ننسى هذا التاريخ الذي كتب بالدم، وسطرته أروع التضحيات والبطولات في زمن قلة فيه الشجاعة والبطولة.