جاء في القرآن أن أهل الكهف ناموا ما يقارب ثلاث مئة عام، ليعتبر هذا النوم بالنسبة لهم توقف لعداد الزمن في كل تلك الفترة، حتى أنهم عندما استيقظوا من نومهم الطويل أرسلوا واحدا منهم ليحضر لهم بعضا من الطعام والشراب، لتكون هذه الخطوة هي لحظة معرفتهم بما حصل بهم بعد نومهم في الكهف دون أن ينشكف أمرهم.
اليوم بعد عشر سنوات من الثورة السورية، أتخيل أن عداد الحياة متوقف، رغم أن آثار السنوات ظهرت على ملامحي وملامح الكثير ممن يوصفون بشباب الثورة، فقد تغير لون شعري وبدت آثار السنوات تظهر على وجهي.
في الأيام الأولى للثورة السورية، كان الجميع ينام بضع ساعات ليكون مستعدا لليوم التالي، فالمظاهرات كانت تشعل المدن الكبيرة بالنشاط والحيوية، وبعض الأحيان كان الشباب يتناوبون في نومهم، حتى لا يداهمهم رجال الأمن وهم نائمون، فمنهم من يحرس الطرق ومنهم من يؤمن المواد الأساسية للمظاهرة ومنهم من يكتب اللافتات لتحمل في مظاهرات اليوم التالي.
كانت اللحظات تمر بشكل متسارع، حتى أن التحضير للمظاهرة يتطلب عمل ومشاركة من الجميع لتخرج أكثر انتظاما وترتيبا، وفي أسرع وقت ممكن، والمفارقات أن عددا كبيرا من المنظمين للمظاهرة اعتقل لبضع أيام في بداية الثورة، وعند خروجهم أخبرونا أن كل لحظة داخل السجن تعادل ألف يوم خارج السجن!، لم نفهم ما قصدوه، إلى أن غادرونا مجبرين البلاد، وبدأنا نعد الأيام واللحظات، كيف ستنقضي هذه الأيام العجاف مُبعدين عن ذكريات الطفولة وأولى المظاهرات.
في الشهر الخامس من عام ٢٠١١ داهمت عشرات المصفحات والسيارات مدينتنا، بينما كان المناوبون على الحراسة نائمين، لربما سهت عيونهم قليلا وتمكنت العناصر من محاصرة بعض البيوت واعتقال من وجدوهم في المنازل.
حتى يومنا هذا مازال بعض من اعتقلتهم الأجهزة الأمنية في ذلك اليوم مغيبين في سجون النظام، بدون أي تأكيد على أنهم فارقوا الحياة أم مازالوا في كهفهم نائمين، وحالهم يقول من سيحمل بعضا من نقودهم ويخرج ليجلب لهم بعض الطعام والشراب، ويكشف أمرهم،.
بعد عشر سنوات تغيرت بكل تأكيد ملامح وجوههم، وتغيرت ملامح مدنهم وبلداتهم وحتى تغير سكان تلك البلدات، وكأن حال لسانهم يقول: "كم لبثنا" ليرد عليهم من ينتظرهم: لبثتم يوما أو بعض يومٍ، فعداد الحياة توقف منذ دخولكم السجن وتوقف لعشر سنوات كاملة.