(نقلا عن القدس العربي)
لم يهنأ اللاجئون السوريون في دول الشتات بإقامة مؤقتة فيها حتى جاءتهم هذه الدول بقوانين جديدة للتضييق عليهم أو حتى لطردهم من أراضيها بحجج واهية تخفي النية الحقيقية خلف هذه القرارات، أو يجدون أنفسهم في مواجهة موجات عنصرية تودي بشبابهم إلى القتل أو التهديد والوعيد.
هذا الوضع القلق، دفع كثيرين لضرب عصا الترحال مرة أخرى على طريق المجهول والمخاطر.
مرة في البر يعبرون الفيافي، والوهاد، للوصول إلى بلد أوروبي فيموت بعضهم جوعا وإرهاقا، أو في البحر فيبلع الأزرق الكثير منهم ولا ينجو إلى طويل عمر، وإزاء هذه المعاناة في تغريبة سورية لم يشهدها شعب من قبل يقف العالم صامتا متفرجا، فمأساة أوكرانيا غطت على مأساة السوريين، واهتمام العالم ينصب على أزمة ارتفاع أسعار الدولار، وتصاعد نسبة التضخم، وغلاء الأسعار، ونقص الغاز، والنكبات الأخرى من فيضانات وحرائق في أماكن مختلفة.
رحلة تركيا
تعتبر تركيا الدولة الأكثر استقبالا للاجئين السوريين حيث قارب عددهم الأربعة ملايين لاجئ.
السوريون في تركيا رغم العدد الهائل فإنهم استطاعوا التأقلم والتعلم والعمل ودعم الاقتصاد التركي والأمثلة على ذلك كثيرة. لكن منذ أن بدأت الحملة الانتخابية التي استغلت بعض الأحزاب المعارضة قضية السوريين ورمت على عاتقهم كل شرور ومشكلات تركيا الاقتصادية وحتى الاجتماعية والتي تزعمها النائب التركي ورئيس حزب النصر أوميت أوزداغ ووجدت آذانا صاغية عن فئة كبيرة من الأتراك دبت الخشية في صلب حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه الرئيس رجب طيب أرودوغان الذي حاول قطع الطريق على أزداغ بالعمل على مشروع العودة الطوعية للاجئين السوريين إلى المناطق المحررة وبناء وحدات سكنية لهم، وازداد الطين بلة عندما صرح أردوغان أن تطبيع العلاقات مع النظام السوري بات محتملا. هذا الجو المشحون حرض شبابا أتراك ضد شباب سوريين وارتكاب عدة جرائم قتل بحقهم كان آخرها مقتل الشاب المتفوق فارس العلي في منطقة هاتاي والذي كان يتحضر لدخول كلية الطب، والتي هزت الأوساط السورية.
العديد من التهديدات التي تعرض لها أكثر من سوري دفعت الآلاف منهم لشد عصا الترحال مرة أخرى نحو أوروبا.
درب الآلام في لبنان
وهذا الترحال لم يخل من تراجيديا الشتات الجديد حيث توفيت الطفلة لجين أحمد من العطش، والشاب فهد صالح النزال مات منهكا في غابات بلغاريا، وحالات عديدة من الإنهاك والمرض على أبواب أوروبا.
وقد نظمت مجموعة سوريين عبر الإنترنيت دعوة لتنظيم قافلة عبر قناة أنشئت على تلغرام تنطلق من إسطنبول وتتوجه نحو الاتحاد الأوروبي، وسيعلن على موعد الانطلاق لاحقا.
وحسب المنظمين فإن القافلة سيتم تنظيمها على شكل مجموعات كل مجموعة تبلغ 50 شخصا بقيادة مشرف. كما وجهت دعوات لإضراب عام للعمال السوريين احتجاجا على الانتهاكات التي يتعرض لها السوريون في تركيا.
يعتبر لبنان الدولة الثانية بعد تركيا في عدد اللاجئين السوريين حيث وصلت أعدادهم إلى ما يقارب 1,5 مليون لاجئ.
هذا العدد جعل المسؤولين اللبنانيين يصرحون في كل مناسبة أن أزمات لبنان تعود بشكل رئيسي إلى وجود السوريين على أرضه.
آخر تصريح لرئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي الموجه إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يقول فيه إن “الوضع في لبنان خرج عن السيطرة بسبب اللاجئين السوريين.. لبنان البلد الصغير بمساحته 10 آلاف و452 كلم مربعا وعدد سكانه 4 ملايين، يستضيف أعلى نسبة من النازحين في العالم بالنسبة لعدد سكانه، وأن لبنان يعاني من أقسى الأزمات الاقتصادية والمالية، والنازحون السوريون يكلفون الاقتصاد اللبناني أكثر من 3 مليارات دولار سنويا، يضاف إليهم اللاجئون الفلسطينيون وباتوا يشكلون نصف الشعب اللبناني”
ودعا “ميقاتي” المسؤول الأممي “غوتيريش” إلى وضع خريطة طريق واضحة لمعالجة أزمة النزوح السوري. البطرك بشارة الراعي من جانبه صرح قائلا للسوريين:” فرضت عليكم الحرب الأولى ولكن إن لم تعودوا إلى منازلكم فأنتم تفرضون على أنفسكم الحرب الثانية، ولا يمكنكم البقاء على حساب لبنان” ومن المعروف أن أزمة لبنان المالية والاقتصادية تعود لعوامل أخرى داخلية من فساد ودولة عميقة تتصرف كدولة داخل دولة، وسوء إدارة، وهي أسباب ليس للسوريين أو الفلسطينيين أي دخل بها.
وقد واجه السوريون في البلد العربي الجار في بعض الأوساط اللبنانية خطاب كراهية وتعرض أكثر من سوري لجرائم قتل، كان آخرها مقتل الشاب بشار عبد السعود اللاجئ السوري تحت التعذيب أثناء احتجازه من قبل قوات الأمن اللبنانية، كما تمت عمليات إحراق بعض المخيمات عمدا لتهجير سكانها.
وقد أصدرت الحكومة اللبنانية قرارا يقضي بترحيل السوريين إلى سوريا على دفعات شهريا، هذا الوضع القلق دفع بكثير من السوريين إلى أخذ عرض البحر والموت غرقا لعدد كبير منهم وكانت آخر مأساة موت ستة مهاجرين سوريين من الجوع والعطش في قارب وصل إلى مرفأ صقلية.
الوضع في ألمانيا
تعتبر ألمانيا البلد الثالث في استيعاب اللاجئين السوريين حيث لامس عددهم المليون لاجئ. لكن ما يميز هؤلاء اللاجئين أن معظمهم وصل إلى ألمانيا بطريقة قانونية بعد تقديم كل الأوراق الثبوتية، على عكس تركيا ولبنان حيث وصل معظم اللاجئين إليهما بعبور الحدود المشتركة مع سوريا دون موافقة قانونية من قبل سلطات البلدين.
ورغم أن اللاجئين السوريين في ألمانيا قد تم اختيارهم بدقة والتأكد من كفاءاتهم العلمية والعملية بحيث يمكنهم سد فراغ نقص اليد العاملة في ألمانيا وخاصة المتخصصة كالأطباء والمهندسين والمهرة، حسب سياسة الباب المفتوح للمستشارة الألمانية ميركيل. إلا أن أعضاء من الحزب الديمقراطي المسيحي، والبرلمان أو من المواطنين الألمان وجدوا فى استقبال اللاجئين نوعا من أنواع التهديد للمجتمع الألماني، وقد تعرض أكثر من سوري لاعتداءات متكررة من قبل بعض الألمان، وقد أعلنت السلطات الألمانية القبض على منظمة يمينية متطرفة، متهمة بأحداث الشغب التي شهدتها ولاية كيمنتس وكانت تخطط للاعتداء على اللاجئين، ونظم اليمين المتطرف مظاهرات مناهضة للاجئين.
الدول الأخرى
وقد لجأ السوريون إلى دول أوروبية وعربية أخرى منها ما استوعبت أعدادا قليلة كالدانمارك وهولندا والدول الاستكندنافية، التي بدورها لم تكن جميعها رحيمة بالسوريين، كالدانمارك التي كانت تريد ترحيل كل اللاجئين السوريين بحجة أن سوريا أصبحت آمنة قبل أن تتدخل منظمات حقوق الإنسان وتمنعها مع تسفير السوريين وتعريض حياتهم للخطر تحت نظام بشار الأسد.
أما الدول العربية الآخرى نجد أن الأردن التي تستوعب أكثر من مليون لاجئ سوري لم تبد أي تذمر بل استطاع الكثير من السوريين التأقلم وفتح أعمال مختلفة في البلد المجاور، وبدرجة أقل تأتي مصر من حيث أعداد السوريين الذين ذابوا تقريبا في المجتمع المصري، وكذلك في تونس والجزائر والمغرب والسودان وحتى العراق. لكن من الغريب في الأمر أنهم غير مرغوب في عودتهم لوطنهم من قبل النظام السوري.
موقع “سيريا ستيبس” الموالي للنظام قال: “إن عودة اللاجئين السوريين يعني زيادة النمو السكاني بنسبة 27 في المئة وهو أمر لا تتحمله أي دولة في العالم”.