ما يحدث في سوريا من مجازر كُشفت وأخرى لم تكشف بعد ليس حدثاً طارئاً، إنها سياسة ممنهجة، ومدروسة، من قبل عصابة احتلال، لا سلطة دكتاتورية فحسب، ما يحدث تخطّى كونه سلطات قمعية، وقتلة، ومجرمين! نفذوا أوامر الحقد الطائفي، في وضح النهار، وبالتوثيق الذي فضحهم فيما بعد.
تعود بي الذاكرة إلى مجازر الاحتلال الإسرائيلي ابان سيطرته على القرى والبلدات الفلسطينية، كمجزرة قرية أبي شوشة، وعين الزيتون، عام 1948، ودير ياسين وغيرها الكثير، والتي قُدّر لها أن تكشف بعد عقود، لم تكن أقل إجراماً من مجازر النظام التي ارتكبها بحق الشعب السوري طيلة السنوات الفائتة بعد ثورة 2011.
ارتكبت مذبحة أبو شوشة بعد انتهاء الانتداب البريطاني يوم 14 أيار/ مايو عام 1948، بيوم واحد، بينما كان قادة الحركة الصهاينة " مدعومين من قبل عصابات الإرجون الصهيونية" يعدون عدتهم الأخيرة لقيام الدولة العبرية على حساب الشعب الفلسطيني، وغيرها الكثير من المجازر التي وطدت لسيطرة الاحتلال وترسيخه بالرعب، وبالدم.
وفي عام 2013، عثرت "مؤسسة الأقصى للوقف والتراث" على 6 مقابر جماعية تضم مئات الرفات والهياكل العظمية لشهداء ومدنيين قُتلوا خلال عامي 1936 و1948؛ وذلك خلال أعمال بحثية وترميم كانت تقوم بها المؤسسة في مقبرة الكزخانة في مدينة يافا.
ورغم محاولات سلطات الاحتلال طمس معالم هذه المقابر ونكرانها، إلا أنها ظهرت للعلن وكشفت المستور، وفضحت عورة الدولة القائمة على القتل، وارتكاب المجازر تماماً كما يحدث الآن في سوريا، وكيفية اخضاع الشعب بالرعب، والقتل، وسطوة السلاح، ورائحة الدم.
بالمقارنة بين (إرجون الأسد)، و (إرجون مناحيم بيجين)، نرى أن عصابات الأسد تفوقت على الأخير بإجرامها ودمويتها، فما كشف عنه تحقيق لصحيفة الغارديان، حول مجزرة حيّ التضامن جنوبي دمشق، حدث في كلّ مدينة وقرية سورية، من مجزرة نهر قويق بحلب، وحي الصاخور، ومجزرة الساعة، والبياضة بحمص، ومجازر الغوطة، ودرعا، والقنيطرة، وما يحدث في الأفرع الأمنية لا يتخيله عقل، ولا تحتمله ذاكرة.
من حيث لا يدري نظام الإجرام بدمشق، عبر عصاباته، بحيّ التضامن، واثناء ارتكاب المجزرة الفظيعة، أنّه أرّخ لنفسه تماماً تاريخ احتلال مشابه لما حدث في فلسطين على أيدي عصابات أرجون، فالدم الفلسطيني اختلط مع الدم السوري في ذات المجزرة، وتعرف الأهالي على أبنائهم السوريين من أصل فلسطيني، وهم: وسيم عمر صيام، ولؤي عصام الكبرا، وسعيد أحمد خطاب.
سعيد أحمد خطاب هذا هو حفيد المجاهد الفلسطيني سعيد خطاب الذي أعدم في مجزرة "عين الزيتون عام 1948" شرقي صفد رفقة 70 من أبناء قريته، وكأن قدر هذه العائلة أن تموت على أيدي الطغاة والقتلة كـ "موشيه كيلمان" وأمجد يوسف وبشار الأسد.
اختلط الدم الفلسطيني بالدم السوري في مجزرة حيّ التضامن، بقتل رحيم، فالطلقة التي جاءت غدراً لمعصوبي الأعين كانت رحيمةً من حيث لا يدري القاتل، هذا النظام وعصاباته الموتورة مزقوا أجساد السوريين وهم أحياء، وحرقوا الأبناء أمام ذويهم!، واغتصبوا القاصرات مع أمهاتهم في المعتقلات، فما رأيناه في حفرة التضامن أرحم مشهد يمرّ على ذاكرة السوريين.
أما الأكثر إيلاماً من هذا المشهد، أن يكون "ما كشفت عنه صحيفة الغارديان" سبقاً صحفياً وكفى، وأن تكون كتاباتنا وشجبنا زوبعة وتنتهي بعد حين، ما هو أكثر إيلاماً أن ترى فتاة يافعة صورة أبيها معصوب العينين يقتل بدم بارد..
الأكثر إيلاما أن تندد واشطن بالمجزرة وهي تغازل بشار وزبانيته سراً، وتفاوضه!.
الأكثر إيلاماً أن تعلو أصوات الفصائل والتشكيلات في إدلب، وعفرين، وريف حلب على منصات التواصل، وتخفُت أصوات بنادقهم على الجبهات.
إن قهراً يحمله السوريون اليوم، وفقداً لأي أمل بالخلاص أكثر إيلاماً من مجزرة حيّ التضامن ومشاهدها المروّعة.