"جديدة الفضل".. الذاكرة التي لا تموت

الصورة نقلا عن مؤسسة جولان الإعلامية
الصورة نقلا عن مؤسسة جولان الإعلامية

في 16 نيسان/أبريل من عام 2013، لم تكن بلدة "جديدة الفضل" الواقعة جنوب غرب العاصمة دمشق تعلم أن اسمها سيتحول إلى رمز لمأساة إنسانية ستبقى شاهدة على أحد أكثر الفصول دموية من عمر الثورة السورية، خلال أسبوع واحد، لا أكثر، تحوّلت البلدة الصغيرة إلى مسرح لمجزرة مروّعة، قُتل فيها المئات من المدنيين تحت وطأة القصف والحصار والإعدامات الميدانية، وسط تعتيم إعلامي كامل وصمت دولي مطبق.

بدأت المجزرة فجر يوم 16 نيسان 2013، عندما فرضت قوات النظام البائد، بمساندة ميليشيات "حزب الله" اللبناني و"أبو الفضل العباس" العراقية، حصارًا مشددًا على البلدة، تخلّل الحصار قصف مكثّف بقذائف الهاون والأسلحة الثقيلة، استُهدف خلاله المدنيون بشكل عشوائي، وبعد أيام من القصف، دخلت القوات المهاجمة إلى الأحياء، وبدأت تنفيذ حملات إعدام ميداني داخل البيوت، وذبح عائلات بأكملها، وحرق جثث أمام مرأى ومسمع ذوي الضحايا، بحسب شهادات ناجين ووثائق حقوقية، قالت: إن الجميع قُتل، قُتل بدم بارد، أطفال ونساء، وشيوخ، بطريقة ليس لها مثيل على مرّ التّاريخ!

في 21 نيسان 2013، وبعد خمسة أيام من القتل والترويع، تمكّنت الشبكات الحقوقية المحلية من توثيق سقوط ما لا يقل عن 566 شهيدًا، غالبيتهم من النساء والأطفال. كما وثّقت منظمات حقوقية، بينها الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أن بعض الضحايا قُتلوا بالسكاكين، وآخرون أُحرقوا أحياءً. وقد تم تسجيل حالات اختفاء قسري وتعذيب مروّعة، فيما نُهبت المنازل والمحال التجارية بالكامل، وتعرضت طواقم المسعفين لإبادة كاملة وإخفاء جثثهم!

ما جرى في جديدة الفضل ليس مجرد حدث معزول، بل يُشكّل نموذجًا صارخًا لما يمكن أن تؤول إليه الأزمات حين تُغلق أبواب العدالة، وتُرفع يد القانون، وتُستخدم الدولة كأداة قمعية ضد شعبها. إنها ليست مجرّد إحصائيات في تقارير أممية، بل معاناة متراكمة لعائلات أُبيدت بالكامل، وأخرى تنتظر حتى اليوم مساءلة الجناة.

تعرض أبناء الجولان كما كلّ السوريين لمجازر مروّعة، مجزرة شارع علي الوحش، ومجزرة حفرة التضامن، ومجزرة الدواية الصغيرة، والذيابية، ومجزرة حجيرة المروّعة "شهداء التشييع" الذين تجاوزوا ٥٠٠ شهيد لم تُعرف أو تُوثق أسماءهم لليوم، ولم تُفتح حتى هذه اللحظة أي تحقيقات دولية أو محلية مستقلة في المجزرة، ولم تُحمّل أي جهة رسمية المسؤولية، رغم الأدلة المرئية والشهادات التي تؤكد هوية المرتكبين، كما لم تدرجها أي جهة دولية ضمن ملفات جرائم الحرب، ما يضع علامات استفهام كبيرة حول جدّية المجتمع الدولي في تحقيق العدالة لضحايا سوريا.

نكتب اليوم عن جديدة الفضل، لا لنفتح جرحًا غائرًا، بل لنمنع أن يصبح الألم السوري مجرد أرشيف منسي. فالأوطان تُبنى بالعدالة، وتُشفى بالحق، أما الصمت... فلا يُنتج إلا مجازر أخرى لكنها بحق من بقي من ذوي الضحايا.. الذين ينتظرون العدالة، فالحقوق لا تذهب بالتقادم.