في لحظات التاريخ الفارقة، ومع اقتراب شهر رمضان المبارك، الذي يمثل تجسيداً للرحمة والصفح والتسامح، تزداد الحاجة إلى مبادرات إنسانية تعكس الرغبة في الشفاء والتصالح مع الذات والمجتمع. في هذا الشهر الكريم، الذي تفتح فيه أبواب الرحمة والمغفرة، يجب أن تتحمل الحكومة الجديدة بحكم أنّها حكومة جاءت بعد انتصار أعظم ثورة في التاريخ، مسؤولية التخفيف عن أولئك الذين فقدوا أعزاءهم، من المنكوبين، والعوائل التي فقدت أبناءها في السجون والمعتقلات، ولازالت تحمل صورهم على أمل أن يسمعوا خبراً يشفي ما في صدروهم، هم أولئك الذين كُسروا في صمت السجون، لتقول لهم: "نحن هنا معكم، نحن هنا لنستعيد معاً ما ضاع".
إن الثورة بمفهومها العميق، وبما لها من رمزية وأبعاد، ليست مجرد تحولات في البنية السياسية أو الاقتصادية، أو الاجتماعية فحسب، بل هي أولاً وأخيراً تغيير عميق في جوهر الإنسان نفسه، فقبل أن نشرع في إعادة الإعمار، وترميم المؤسسات والإدارات، يجب علينا أن نبدأ ببناء الإنسان؛ لأن الإنسان هو نواة المجتمع، وأس الحياة، وهو الأساس الذي تستند عليه جميع المشاريع الوطنية. كيف يمكننا بناء دولة حقيقية إذا كانت أرواح الناس محطمة، وقلوبهم مثقلة بالجراح، وعقولهم مشوشة بآلام الماضي، الماضي القريب، الذي يحتاج كثيراً من الوقت ومن الجهد لرأب صدع ما حصل!
إن العمل على بناء الإنسان هو العمل الأسمى، العمل على بناء العقول التي تصنع الفكرة، وتُبدع بها، فالإنسان هو المشروع الأول والأخير. فما جدوى الوطن إذا لم يكن أبناؤه سالمين من التشوهات النفسية، والأثقال التاريخية، والآلام التي خلفتها سنوات الظلم، والاستبداد؟
على الحكومة أن توجّه وفوداً من شخصيات اعتبارية وفنانين وقيادات ووجهاء إلى النّاس في الأماكن المنكوبة، والبيوت المستورة، المتعففة، في أحياء دمشق، وفي البلدات والقرى، والمدن كالقصير والحولة، وجديدة الفضل، وأحياء حلب التي شهدت مجزرة "نهر قويق"، وأماكن المجازر الأخرى، اجبروا خواطرهم بكلمة!، بموقف! برسالة مفادها: نحن معكم، وإلى جانبكم، ولن نرضى إلا أن تعود إليكم حقوقكم، خففوا من أوجاعهم، وفقدهم! هم منكوبون وصامتون!!
جبر الخواطر ليس قانوناً نطالبُ به!، إنّه قيمة أخلاقية عالية، فأحيوها.