في مشهدٍ يعكس هشاشة التوازنات الداخلية، وتعقيد الواقع الميداني في محافظة السويداء، تشهد المنطقة حالة غير مسبوقة من الانقسام في الخطاب والموقف، بين مرجعياتها الروحية والاجتماعية، ففي ظل التصعيد الأمني الذي يخيّم على الجبل، تتوالى البيانات والمواقف المتناقضة، ما يدلّ على أزمة داخلية تتجاوز البعد الأمني لتصل إلى عمق الاصطفافات الفكرية والسياسية، وربما الدينية لاحقاً، وتفتح الباب أمام تحوّلات قد تكون مفصلية في مستقبل المحافظة.
في هذا السياق المضطرب، برزت دعوة صادرة عن الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز، تطالب بتوفير حماية دولية فورية لسكان السويداء، مع رفض صريح لأي تواجد للقوى الأمنية والعسكرية الرسمية في المحافظة، هذا الموقف، الذي أثار الكثير من الجدل، لم يُقدَّم فقط بوصفه مطلباً حقوقياً، بل كرفضٍ سياسي واضح لمحاولات إعادة بسط سيطرة الدولة على المنطقة، وهو ما يُنذر بمواجهة محتملة بين من يرفع شعار “الحماية الدولية” ومن يرى فيه تمهيداً لفك ارتباط المحافظة بمحيطها الوطني.
في الجهة المقابلة، جاء بيان دار الإمارة في بلدة “عرى”، على لسان الأمير أبو يحيى حسن الأطرش، ليعبّر عن رؤية مغايرة تقوم على التهدئة والتواصل مع مؤسسات الدولة، مع التشديد على أن الحل لا يكون إلا بالحوار ووقف العنف، تحت سقف الانتماء الوطني، هذه الدعوة التي حمَلَت في طياتها تحذيراً من الانجرار وراء الفتن، جاءت لتذكّر بعمق العلاقة بين السويداء والدولة السورية، ولتعارض صراحةً المطالبات بتدويل القضية أو عزل المحافظة عن محيطها.
الاختلاف اللافت بين هذين البيانين، الصادرين عن مرجعيتين بارزتين في السويداء، يعكس حجم الشرخ الداخلي المتنامي بين القوى الدينية والاجتماعية في الجبل، في وقت تتكثّف فيه المؤشرات على قرب انفجار أمني قد يطال الاستقرار “الهش” في المحافظة، هذه الانقسامات لا تمثل فقط رؤى متباينة تجاه المستقبل، بل تحمل في طيّاتها تنازعاً على شرعية تمثيل الشارع، وتحديد بوصلته السياسية، ما يُضيف بعداً جديداً إلى المشهد المأزوم أصلاً.
في ظل هذا الواقع المربك، يقف أبناء السويداء أمام أسئلة مصيرية: إلى أين تتجه المحافظة؟ وهل يمكن الوصول إلى صيغة توافقيّة تنقذها من شبح الفوضى والانقسام؟ أم أن غياب المبادرات الموحدة وارتفاع حدة الاستقطاب سيقودان إلى سيناريوهات أكثر قتامة؟!! الأكيد أن الأيام القادمة ستكشف الكثير، وسط حاجة ملحّة لتغليب الحكمة وتغليب المصلحة العامة على الرهانات الضيقة، قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة تماماً.