تاريخ النكسة .. اليوم الذي وثّق موت الجناة

هضبة الجولان
هضبة الجولان

العاشر من حزيران عام 1967 هو يوم النكسة الحقيقي لتسليم الجولان، هذا ما يجهله الكثيرون، هذا التاريخ الذي جمع بين موت حافظ الأسد وتسليم الجولان، حيث لم تشهد هضبة الجولان أية معارك قبل هذا التاريخ!

أعطيت الأوامر بالانسحاب من الجولان، وأنذر وزير الدفاع حافظ الأسد المدنيين بإخلاء منازلهم وقراهم، والنجاة بأنفسهم، الجيش السوري الذي وصل بحيرة طبريا تلقى أوامراً بالانسحاب من جبهة عسكرية عصية، يصفها خبراء عسكريون بأنها من أصعب المناطق احتلالاً لطبيعتها الجغرافية الصعبة والمعقدة، (مجلة التايم)، أول أيلول 1967 استهجنت سقوط الجولان، وذكرت في مقال موسع: “إن سورية تسيطر على سلسلة من التلال الصخرية الشديدة الانحدار، تمتد لمسافة أربعين ميلاً، وتشرف على سهول منكشفة للنيران، وعلى جوانب التلال خطوط دفاعية مستقلة بعضها عن بعض، وكل خط منه تحميه ثلاث طبقات من الألغام، والأسلاك الشائكة والاستحكامات المنيعة، وللوصول إلى الطبقة العليا يجب عبور تسعة خطوط (ماجينو صغيرة)؟!! ولكن كل ذلك لم يستعمل، وهناك أمر آخر في غاية الخطورة: فالطرق والمحاور في منطقة الجبهة قليلة جداً، والأرض غاية في الوعورة وانعدام صلاحيتها للحركة السريعة للآليات، وقد سبق لقيادة الجيش أن حفرت التخريبات المختلفة على محاور التقدم المحتملة لقوات العدو، وقد كان من أبرزها: (الملاغم) التي وضعت في نقاط الممرات الإجبارية على الطرق ولو أنها نسفت لسدت الطريق أمام الآليات ووضعت العدو تحت النيران السورية، ويستطيع أي عسكري أن يفجرها، ولكنها لم تنسف فلماذا سقط الجولان الحصين؟!!


كان للأمن العسكري الذي سيطر على مفاصله حافظ الأسد دوراً في تسليم الجولان، فكانوا عناصره يرتدون زياً محلياً وينتشرون بين القرى معلنين الانسحاب، وايهام الناس أنه خلال أيام سيعودون لقراهم ومنازلهم، حتى أن الكثير من العائلات تركت أرزاقها، ومواسمهم وممتلكاتهم، بهذه الحيلة تم إخلاء الجولان.

في نسيان عام 1965 سافر حافظ الأسد لبريطانيا بحجة العلاج، ذلك قبل اعدام كوهين بأيام، ومما رشح آنذاك أن الأسد الذي يرأس سلاح الطيران السوري، يخضع لعلاج نتيجة الام قوية في الظهر سببه هبوط اضطراري في إحدى طلعاته الجوية!

لم يكن هذا التوقيت لهذه الزيارة محض صدفة!، بل كانت ترتيباً آخراً متفقاً عليه، وتهيئة الجنرال الذي يحظى باهتمام بالغ من الساسة الغربيين، ويتمتع بصفات إجرامية تخول له البقاء، فكان له في هذه الزيارة كل الوقت لترتيب أوراقه وتقديمه على غيره!.

"صفقة الجولان" كانت أولى اختبارات حافظ الأسد، أثبت من خلالها أنه الجنرال المناسب لهذا المنصب، رغم محاولته في الزيارة انقاذ كوهين من الإعدام لكن الوقت لم يسعفه بذلك، لتتوالى بعد ذلك المهام التي أوكلت اليه كأحداث تل الزعتر، وطرابلس.

صدر قرار مجلس الأمن رقم 236 في 11 حزيران 67، الذي ينص على منع أي تحرك عسكري في الجولان، ذلك بعد ساعات من الانسحاب، قضى بموجب هذا القرار ترك مصير الجولان لإسرائيل، بتواطئ من القيادة السورية.

استطاع حافظ الأسد عبر أذرعه الأمنية بقلب الهزيمة إلى نصر، فكانت مسرحية تشرين خير مثال، فما حققته القوات المصرية على جبهة سيناء لم تحققه القوات السورية على جبهة الجولان، بل توغلت إسرائيل مساحة 500 كم2 ، " جيب سعسع" ووصلت لتل المال وتل عنتر بين ريف دمشق الغربي ودرعا، محتلةً مساحات كبيرة وشاسعة خلال ساعات.

وقعت اتفاقية الهدنة عام 1974 بين الجانبين السوري، والإسرائيلي، بموجبها تخلى الإسرائيليون عن مدينة القنيطرة، الذي دمّر منازلها بالاتفاق مع الأمن العسكري آنذاك، وحرم أبناؤها من العودة إليها، وشكل الأسد الأب طوقاً لحماية أمن إسرائيل طيلة عقود حكمه. لتنتهي هذه المسرحية باتفاق 31 مايو عام 1974 بانسحاب إسرائيل من المناطق المحتلة أخيراً، ومدينة القنيطرة، ورسم الحدود والتخلي عن الجولان.

صادف أن يموت الأسد في ذات اليوم الذي بيع به الجولان، ليبقى هذا اليوم في ذاكرة السوريين، وذاكرة أبناء الجولان، السوريون الذين لم يجرؤوا على تناقل خبر موته، ظنوا أن الموت لا يطال الرئيس، إنه محصن جيداً بكم هائل من الخوف والرعب، وتاريخ حافل بالقتل والاغتيالات للبقاء أكثر على كرسي الحكم.